مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) * [1] ولم يذكر حياتهم في الدنيا ، ولم يدلّ ذلك على أنّهم لم يحييوا في الدنيا بعد الموت ، وكذلك أيضاً لا تدلّ هذه الآية على أنّ المكلّفين لا يحيون في قبورهم للثواب والعقاب على ما أخبر به الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقول من قال : لم يكونوا شيئاً ، ذهب إلى قول العرب للشيء الدارس الخامل : إنّه ميت يريد خموله ودرسه ، وفي ضد ذلك يقال : هذا أمر حيّ يراد به ، كأنّه متعالم في الناس ، ومن أراد الإماتة التي هي خروج الروح من الجسد ، فإنّه أراد بقوله : * ( وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً ) * أنّه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم فيها وهذا بعيد ، لأنّ التوبيخ هنالك إنّما هو توبيخ على ما سلف وفرط من اجرامهم ، لا استعتاب واسترداع ، وقوله : * ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً ) * توبيخ مستعتب ، وتأنيب مسترجع من خلقه من المعاصي إلى الطاعة ، ومن الضلالة إلى الإنابة ، ولا إنابة في القبر ولا توبة فيها بعد الوفاة ، وأحسن الوجوه ممّا قدّمنا ما ذكر ابن عباس وبعده قول قتادة .
قوله تعالى : * ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ ) * آية بلا خلاف ( 29 ) .
وتلخيص معنى الآية أنّ الله تعالى هو الّذي خلق لكم الأرض وما فيها من الجبال والمياه والأشجار ، وما قدّر فيها من الأقوات ، ثم قضى خلق السماء بعد خلقه الأرض ، ومعنى استوى أي عمد لها وقصد إلى خلقها ، وسوّاها سبع سماوات فبناهنّ وركّبهنّ كذلك .