نام کتاب : مفردات ألفاظ القرآن نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 1 صفحه : 33
على ما فيها ، ولما تولَّى الخلافة المأمون كتب إلى بعض ملوك النصارى يطلب منه خزانة كتب اليونان ، وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد ، فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك ، فكلهم أشار إليه بعدم تجهيزها إليه إلا واحدا ، فإنه قال : جهزها إليهم ، فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها [1] . وكان الشيخ ابن تيمية يقول : ما أظن أن اللَّه يغفل عن المأمون ، ولا بد أن يقابله على ما اعتمد مع هذه الأمة من إدخاله هذه العلوم الفلسفية بين أهلها . وأول من أدخل الفلسفة الأندلس أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم ، كان يشبّه بالمأمون العباسي في طلب الكتب الفلسفية . الجمع بين الشريعة والحكمة : ويقال : أول من خلط المنطق بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي . والذي نراه أنّ الراغب الأصفهاني بدأ هذه المحاولة قبل الغزالي ، حيث قال الشهرزوري في ترجمته : ( وهو الذي جمع بين الشريعة والحكمة في تصانيفه ) [2] . والغزالي حاول الجمع بين الشريعة والحكمة ، وهو أحسن من جمع بينهما ، ويتجلى ذلك في كتابه الكبير « إحياء علوم الدين » ، لكنه مع ذلك لم يخل من انتقادات ، وكتابه الإحياء قمة في الإنتاج العلمي ، ومع ذلك فقد حذّر العلماء من بعض المواضع فيه . وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي : « الإحياء » وضعه على مذاهب الصوفية ، وترك فيه قانون الفقه ، فأنكروا عليه ما فيه من الأحاديث التي لم تصح [3] . وممن حاول الجمع بينهما تاج الدين الشهرستاني ، فقد كان يصنف تفسيرا ، ويؤوّل الآيات على قوانين الفلسفة والحكمة ، فقال له ظهير الدين البيهقي : هذا عدول عن الصواب ، والقرآن لا يفسّر إلا بتأويل السلف والتابعين ، والحكمة بمعزل عن تفسير القرآن ، خصوصا ما كنت تؤوله ، ولا تجمع بين الشريعة والحكمة أحسن مما جمعه الغزالي ، فامتلأ غضبا [4] . والشهرستاني متوفى سنة 548 ه . ولابن رشد كتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال [5] .