عطفا على الجزاء ، وروى ابن بكار عن ابن عامر ( ولا يجد ) بالرفع استئنافا : أي ليس لمن يعمل السوء من دون الله وليا يواليه ولا نصيرا ينصره ( ومن يعمل من الصالحات ) أي بعضها حال كونه ( من ذكر أو أنثى ) وحال كونه مؤمنا ، والحال الأولى لبيان من يعمل ، والحال الأخرى لإفادة اشتراط الإيمان في كل عمل صالح ( فأولئك ) إشارة إلى العمل المتصف بالإيمان ( يدخلون الجنة ) قرأ أبو عمرو وابن كثير ( يدخلون ) بضم حرف المضارعة على البناء للمجهول . وقرأ الباقون بفتحها على البناء للمعلوم ( ولا يظلمون نقيرا ) أي لا ينقصون شيئا حقيرا ، وقد تقدم تفسير النقير ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه الله ) أي أخلص نفسه له حال كونه محسنا :
أي عاملا للحسنات ( واتبع ملة إبراهيم ) أي دينه حال كون المتبع ( حنيفا ) أي مائلا عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وهو الإسلام ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) أي جعله صفوة له وخصه بكراماته ، قال : ثعلب : إنما سمى الخيل خليلا لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خليلا إلا ملأته ، وأنشد قول بشار :
قد تخللت مسلك الروح منى * وبه سمى الخليل خليلا وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم ، وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب ، وقد كان إبراهيم عليه السلام محبوبا لله ومحبا له ، وقيل الخليل من الاختصاص ، فالله سبحانه اختص إبراهيم برسالته في ذلك الوقت واختاره لها ، واختار هذا النحاس . وقال الزجاج : معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) فيه إشارة إلى أنه سبحانه اتخذ إبراهيم خليلا لطاعته لا لحاجته ولا للتكثير به والاعتضاد بمخاللته ( وكان الله بكل شئ محيطا ) هذه الجملة مقررة لمعنى الجملة التي قبلها : أي أحاط علمه بكل شئ - لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها - .
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : قالت العرب : لا نعبث ولا نحاسب ، وقالت اليهود والنصارى - لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى - وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة - فأنزل الله ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) . وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مسروق قال : احتج المسلمون وأهل الكتاب ، فقال المسلمون :
نحن أهدى منكم ، وقال أهل الكتاب : نحن أهدى منكم ، فنزلت ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) الآية . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسروق قال : تفاخر النصارى وأهل الإسلام ، فقال هؤلاء نحن أفضل منكم ، وقال هؤلاء نحن أفضل منكم فنزلت . وقد ورد معنى هذه الروايات من طرق كثيرة مختصرة ومطولة . وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن المنذر عن أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لما نزلت هذه الآية : أما أنت وأصحابك يا أبا بكر فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب ، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته " . وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن ابن عمر لقيه فسأله عن هذه الآية ( ومن يعمل من الصالحات ) قال : الفرائض . وأخرج الحاكم وصححه عن جندب أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول قبل أن يتوفى " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " . وأخرج الحاكم أيضا وصححه عن ابن عباس قال :
أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .