بها عن قتل من قد استسلم وانقاد ، واغتنام ماله ( كذلك كنتم من قبل ) أي كنتم كفارا ، فحقنت دماؤكم لما تكلمتم بكلمة الشهادة ، أو كذلك كنتم من قبل ، تخفون إيمانكم عن قومكم خوفا على أنفسكم حتى من الله عليكم بإعزاز دينه فأظهرتم الإيمان وأعلنتم به ، وكرر الأمر بالتبين للتأكيد عليهم لكونه واجبا لا فسحة فيه ولا رخصة .
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : لحق ناس من المسلمين رجلا معه غنيمة له فقال السلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غنيمته ، فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) الآية . وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا ، فعدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فنزلت هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ) وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى إضم ، فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحرث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس الليثي ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له معه متيع ووطب من لبن ، فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشئ كان بينه وبينه فقلته وأخذ بعيره ومتيعه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) الآية . وفي لفظ عند ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من حديث أبي حدرد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمحلم : أقتلته بعد ما قال آمنت بالله ؟ فنزل القرآن . وأخرج ابن جرير من حديث ابن عمر أن محلما جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليستغفر له ، فقال : لا غفر الله لك ، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه ، فما مضت به ساعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك له ، فقال : إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ، ولكن الله أراد أن يعظكم ، ثم طرحوه في جبل وألقوا عليه الحجارة ، فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم ) الآية . وأخرج البزار والدارقطني في الإفراد والطبراني والضياء في المختارة عن ابن عباس أن سبب نزول الآية : أن المقداد بن الأسود قتل رجلا بعد ما قال لا إله إلا الله . وفي سبب النزول روايات كثيرة ، وهذا الذي ذكرناه أحسنها . وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ( كذلك كنتم من قبل ) قال : تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه : يعني الذي قتلوه بعد أن ألقى إليهم السلام وفي لفظ تكتمون إيمانكم من المشركين ( فمن الله عليكم ) فأظهر الإسلام فأعلنتم إيمانكم ( فتبينوا ) قال : وعيد من الله ثان . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ( كذلك كنتم من قبل ) قال : كنتم كفارا حتى من الله عليكم بالإسلام وهداكم له .