ويجوز أن ينتصب على الحال ، والتقدير : لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف : أي إلا قتلا خطأ ، ووجوه الخطأ كثيرة ويضبطها عدم القصد ، والخطأ الاسم من أخطأ خطأ إذا لم يتعمد . قوله ( فتحرير رقبة مؤمنة ) أي فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ ، وعبر بالرقبة عن جميع الذات .
واختلف العلماء في تفسير الرقبة المؤمنة ، فقيل هي التي صلت وعقلت الإيمان فلا تجزئ الصغيرة ، وبه قال ابن عباس والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم . وقال عطاء بن أبي رباح : إنها تجزئ الصغيرة المولودة بين مسلمين . وقال جماعة منهم مالك والشافعي : يجزئ كل من حكم له بوجوب الصلاة عليه إن مات ، ولا يجزئ في قول جمهور العلماء أعمى ولا مقعد ولا أشل ، ويجزئ عند الأكثر الأعرج والأعور . قال مالك : إلا أن يكون عرجا شديدا . ولا يجزئ عند أكثرهم المجنون ، وفي المقام تفاصيل طويلة مذكورة في علم الفروع ، قوله ( ودية مسلمة إلى أهله ) الدية : ما تعطى عوضا عن دم المقتول إلى ورثته ، والمسلمة : المدفوعة المؤداة ، والأهل المراد بهم الورثة وأجناس الدية وتفاصيلها قد بينتها السنة المطهرة . قوله ( إلا أن يصدقوا ) أي إلا أن يتصدق أهل المقتول على القاتل بالدية ، سمي العفو عنها صدقة ترغيبا فيه . وقرأ أبي : إلا يتصدقوا ، وهذه الجملة المستثناة متعلقة بقوله ( فدية مسلمة ) أي فعليه دية مسلمة إلا أن يقع العفو من الورثة عنها . قوله ( فإن كان من قوم عدو لكم ) أي فإن كان المقتول من قوم عدو لكم وهم الكفار الحربيون ، وهذه مسئلة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذين كان منهم ، ثم أسلم ولم يهاجر وهم يظنون أنه لم يسلم وأنه باق على دين قومه فلا دية على قاتله بل عليه تحرير رقبة مؤمنة . واختلفوا في وجه سقوط الدية ، فقيل وجهه أن أولياء القتيل كفار لا حق لهم في الدية ، وقيل وجهه أن هذا الذي آمن ولم يهاجر حرمته قليلة لقول الله تعالى - والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولا يتهم من شئ - ، وقال بعض أهل العلم إن ديته واجبة لبيت المال . قوله ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) أي مؤقت أو مؤبد . وقرأ الحسن ( وهو مؤمن فدية مسلمة إلى أهله ) أي فعلى قاتله دية مؤداة إلى أهله من أهل الإسلام وهم ورثته ( وتحرير رقبة مؤمنة ) كما تقدم ( فمن لم يجد ) أي الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها ( فصيام شهرين متتابعين ) أي فعليه صيام شهرين متتابعين ، لم يفصل بين يومين من أيام صومهما إفطار في نهار ، فلو أفطر استأنف ، هذا قول الجمهور ، وأما الإفطار لعذر شرعي كالحيض ونحوه فلا يوجب الاستئناف . واختلف في الإفطار لعرض المرض . قوله ( توبة من الله ) منصوب على أنه مفعول له : أي شرع ذلك لكم توبة ، أي قبولا لتوبتكم ، أو منصوب على المصدرية : أي تاب عليكم توبة ، وقيل منصوب على الحال : أي حال كونه ذا توبة كائنة من الله . ( قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) لما بين سبحانه حكم القاتل خطأ بين حكم القاتل عمدا .
وقد اختلف العلماء في معنى العمد ، فقال عطاء والنخعي وغيرهما : هو القتل بحديدة كالسيف والخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المحدد ، أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقال الحجارة ونحوها . وقال الجمهور : إنه كل قتل من قاتل قاصد للفعل بحديدة أو بحجر أو بعصى أو بغير ذلك ، وقيده بعض أهل العلم بأن يكون بما يقتل مثله في العادة . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : عمد ، وشبه عمد ، وخطأ . واستدلوا على ذلك بأدلة ليس هذا مقام بسطها . وذهب آخرون إلى أن ينقسم إلى قسمين : عمد ، وخطأ ولا ثالث لهما ، واستدلوا بأنه ليس في القرآن إلا القسمان . ويجاب عن ذلك بأن اقتصار القرآن على القسمين لا ينفي ثبوت قسم ثالث بالسنة وقد ثبت ذلك في السنة . وقد جاءت هذه الآية بتغليظ عقوبة القاتل عمدا ، فجمع الله له فيها بين كون جهنم جزاء