ما ملكت أيمانكم منهن ، أما بسبي فإنها تحل ولو كانت ذات زوج ، أو بشراء فإنها تحل ولو كانت مزوجة ، وينفسخ النكاح الذي كان عليها بخروجها عن ملك سيدها الذي زوجها ، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية إن شاء الله ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقد قرئ فلا " المحصنات " الصاد وكسرها فالفتح على أن الأزواج أحصنوهن ، والكسر على أنهن أحصن فروجهن عن غير أزواجهن أو أحصن أزواجهن . قوله ( كتاب الله عليكم ) منصوب على المصدرية : أي كتب الله ذلك عليكم كتابا . وقال الزجاج والكوفيون : إنه منصوب على الإغراء : أي إلزموا كتاب الله ، أو عليكم كتاب الله ، واعترضه أبو علي الفارسي بأن الإغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب وهذا الاعتراض إنما يتوجه على قول من قال : إنه منصوب بعليكم المذكور في الآية ، وروى عن عبيدة السلماني أنه قال : إن قوله ( كتاب الله عليكم ) إشارة إلى قوله تعالى ( مثنى وثلاث ورباع ) وهو بعيد بل هو إشارة إلى التحريم المذكور في قوله ( حرمت عليكم ) إلى آخر الآية . قوله ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأحل على الباء للمجهول وقرأ الباقون على البناء للمعلوم عطفا على الفعل المقدر في قوله ( كتاب الله عليكم ) وقيل على قوله ( حرمت عليكم ) ولا يقدح في ذلك اختلاف الفعلين ، وفيه دلالة على أنه يحل لهم نكاح ما سوى المذكورات ، وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها . وقد أبعد من قال : إن تحريم الجمع بين المذكورات مأخوذ من الآية هذه لأنه حرم الجمع بين الأختين ، فيكون ما في معناه في حكمه ، وهو الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، وكذلك تحريم نكاح الأمة لمن يستطيع نكاح حرة كما سيأتي ، فإنه يخصص هذا العموم . قوله ( أن تبتغوا بأموالكم ) في محل نصب على العلة : أي حرم عليكم ما حرم وأحل لكم ما أحل لأجل أن تبتغوا بأموالكم النساء اللاتي أحلهن الله لكم ولا تبتغوا بها الحرام فتذهب حال كونكم ( محصنين ) أي متعففين عن الزنا ( غير مسافحين ) أي غير زانين . والسفاح : الزنا وهو مأخوذ من سفح الماء : أي صبه وسيلانه فكأنه سبحانه أمرهم بأن يطلبوا بأموالهم النساء على وجه النكاح ، لا على وجه السفاح ، وقيل إن قوله ( أن تبتغوا بأموالكم ) بدل من " ما " في قوله ( ما وراء ذلكم ) أي وأحل لكم الابتغاء بأموالكم . والأول أولى ، وأراد سبحانه بالأموال المذكورة ما يدفعونه في مهور الحرائر وأثمان الإماء . قوله ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) " ما " موصولة فيها معنى الشرط ، والفاء في قوله ( فآتوهن ) لتضمن الموصول معنى الشرط ، والعائد محذوف : أي فآتوهن أجورهن عليه .
وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية : فقال الحسن ومجاهد وغيرهما : المعنى فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي ( فآتوهن أجورهن ) أي مهورهن . وقال الجمهور : إن المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ، ويؤيد ذلك قراءة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن ) ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما صح ذلك من حديث علي قال :
نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، وهو في الصحيحين وغيرهما ، وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يوم فتح مكة " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، والله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " . وفي لفظ لمسلم أن ذلك كان في حجة الوداع ، فهذا هو الناسخ . وقال سعيد بن جبير : نسختها آيات الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها . وقالت عائشة والقاسم بن محمد :