والأرحام : اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره ، لا خلاف في هذا بين أهل الشرع ولا بين أهل اللغة . وقد خصص أبو حنيفة وبعض الزيدية الرحم بالمحرم في منع الرجوع في الهبة مع موافقتهم على أن معناها أعم ، ولا وجه لهذا التخصيص . قال القرطبي : اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة انتهى .
وقد وردت بذلك الأحاديث الكثير الصحيحة . والرقيب : المراقب وهي صيغة مبالغة ، يقال رقبت أرقب رقبة ورقبانا : إذا انتظرت . قوله ( وآتوا اليتامى أموالهم ) خطاب للأولياء والأوصياء . والإيتاء : الإعطاء . واليتيم :
من لا أب له . وقد خصصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم . وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفى ، وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم ، مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتم بالبلوغ مجازا باعتبار ما كانوا عليه ، ويجوز أن يراد باليتامى المعنى الحقيقي ، وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة لا دفعها جميعها وهذه الآية مقيدة بالآية الأخرى وهي قوله تعالى ( فأن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغا لدفع أموالهم إليهم حتى يؤنس منهم الرشد . قوله ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) نهى لهم عن أن يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى فإنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى ويعوضونه بالردئ من أموالهم ولا يرون بذلك بأسا ، وقيل المعنى : لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب من أموالكم وقيل المراد لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله . والأول أولى ، فإن تبدل الشئ بالشيء في اللغة أخذه مكانه وكذلك استبداله ، ومنه قوله تعالى - ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل - وقوله - أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير - . وأما التبديل فقد يستعمل كذلك كما في قوله - وبدلناهم بجنتيهم جنتين - وأخرى بالعكس كما في قولك بدلت الحلقة بالخاتم : إذا أذبتها وجعلتها خاتما ، نص عليه الأزهري . قوله ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المنهى عنه في هذه الآية هو الخلط فيكون الفعل مضمنا معنى الضم : أي لا تأكلوا أموالهم مضمونة إلى أموالكم ، ثم نسخ هذا بقوله تعالى - وإن تخالطوهم فإخوانكم - وقيل إن إلى بمعنى مع كقوله تعالى - من أنصاري إلى الله - والأول أولى . والحوب : الإثم يقال حاب الرجل يحوب حوبا : إذا أثم ، وأصله الزجر للإبل ، فسمى الإثم حوبا لأنه يزجر عنه . والحوبة :
الحاجة . والحوب أيضا : الوحشة ، وفيه ثلاث لغات : ضم الحاء وهي قراءة الجمهور . وفتح الحاء وهي قراءة الحسن ، قال الأخفش : وهي لغة تميم . والثالثة الحاب . وقرأ أبي بن كعب حابا على المصدر كقال قالا . والتحوب التحزن ، ومنه قول طفيل :
فذوقوا كما ذقنا عداه يحجر * من الغيظ في أكبادنا والتحوب قوله ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ) وجه ارتباط الجزاء بالشرط أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه وليا لها ويريد أن يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها : أي يعدل فيه ويعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج ، فنهاهم الله أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهن من الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهن من النساء سواهن ، فهذا سبب نزول الآية كما سيأتي ، فهو نهى يخص هذه الصورة . وقال جماعة من السلف :
إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء ، فقصرهم بهذه الآية على أربع ، فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا ألا يقسطوا في اليتامى فكذلك يخافون إلا يقسطوا في النساء ، لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء والخوف من الأضداد ، فإن المخوف قد يكون معلوما ، وقد يكون مظنونا ، ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية ، فقال أبو عبيدة ( خفتم )