لا غيره ، وقرئ " بل الله " بالنصب على تقدير بل أطيعوا الله . قوله ( سنلقي ) قرأ السختياني بالياء التحتية ، وقرأ الباقون بالنون . وقرأ ابن عامر والكسائي ( الرعب ) بضم العين . وقرأ الباقون بالسكون وهما لغتان ، يقال رعبته رعبا ورعبا فهو مرعوب ، ويجوز أن يكون مصدرا ، والرعب بالضم الاسم ، وأصله الملء ، يقال سيل راعب :
أي يملأ الوادي ، ورعبت الحوض ملأته ، فالمعنى : سنملأ قلوب الكافرين رعبا : أي خوفا وفزعا ، والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام ، ومجازا في غيرها كهذه الآية ، وذلك أن المشركين بعد وقعة أحد ندموا أن لا يكونوا استأصلوا المسلمين ، وقالوا : بئسما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به ( بما أشركوا بالله ) متعلق بقوله ( سنلقي ) وما مصدرية : أي بسبب إشراكهم ( ما لم ينزل به سلطانا ) أي ما لم ينزل الله بجعله شريكا له حجة وبيانا وبرهانا ، والنفي يتوجه إلى القيد والمقيد : أي لا حجة ولا إنزال ، والمعنى : أن الإشراك بالله لم يثبت في شئ من الملل .
والمثوى المكان الذي يقام فيه ، يقال ثوى يثوى ثواء . قوله ( ولقد صدقكم الله وعده ) نزلت لما قال بعض المسلمين من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ، وذلك أنه كان الظفر لهم في الابتداء ، حتى قتلوا صاحب لواء المشركين وتسعة نفر بعده ، فلما اشتغلوا بالغنيمة وترك الرماة مركزهم طلبا للغنيمة كان ذلك سبب الهزيمة . والحس :
الاستئصال بالقتل ، قاله أبو عبيد . يقال جراد محسوس : إذا قتله البرد ، وسنة حسوس : أي جدبة تأكل كل شئ . قيل وأصله من الحس الذي هو الإدراك بالحاسة ، فمعنى حسه : أذهب حسه بالقتل ، وتحسونهم :
تقتلونهم وتستأصلونهم ، قال الشاعر :
حسسناهم بالسيف حسا فأصبحت * بقيتهم قد شردوا وتبددوا وقال جرير : تحسهم السيوف كما تسامى * حريق النار في الأجم الحصيد ( بإذنه ) أي بعلمه أو بقضائه ( حتى إذا فشلتم ) أي جبنتم وضعفتم ، قيل جواب حتى محذوف تقديره امتحنتم وقال الفراء : جواب حتى قوله ( وتنازعتم ) والواو مقحمة زائدة كقوله - أسلما وتله للجبين - وقال أبو علي يجوز أن يكون الجواب صرفكم عنهم ، وقيل فيه تقديم وتأخير : أي حتى إذا نازعتم وعصيتم فشلتم ، وقيل إن الجواب عصيتم ، والواو مقحمة . وقد جوز الأخفش مثله في قوله تعالى - حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم - ، وقيل حتى بمعنى إلى ، وحينئذ لا جواب لها ، والتنازع المذكور هو ما وقع من الرماة حين قال بعضهم نلحق الغنائم ، وقال بعضهم نثبت في مكاننا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ومعنى قوله ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) ما وقع لهم من النصر في الابتداء في يوم أحد كما تقدم ( منكم من يريد الدنيا ) يعني الغنيمة ( ومنكم من يريد الآخرة ) أي الأجر بالبقاء في مراكزهم امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) أي ردكم الله عنهم بالانهزام بعد أن استوليتم عليهم ليمتحنكم ( ولقد عفا عنكم ) لما علم من ندمكم فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة ، والخطاب لجميع المنهزمين وقيل للرماة فقط . قوله ( إذ تصعدون ) متعلق بقوله ( صرفكم ) أو بقوله ( ولقد عفا عنكم ) أو بقوله ( ليبتليكم ) وقرأه الجمهور بضم التاء وكسر العين ، وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة بفتح التاء والعين . وقرأ ابن محيصن وقنبل " تصعدون " بالتحتية . قال أبو حاتم : أصعدت إذا مضيت حيال وجهك ، وصعدت إذا ارتقيت في جبل ، فالإصعاد السير في مستوى الأرض وبطون الأودية ، والصعود الارتفاع على الجبال والسطوح - والسلالم والدرج ، فيحتمل أن يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي ، فيصح المعنى على القراءتين . وقال القتيبي : أصعد إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه ، ومنه قول الشاعر :