ألسنتهم ) قال : هم اليهود ، كانوا يزيدون في الكتاب ما لم ينزل الله . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : يحرفونه .
أي ما كان ينبغي ولا يستقيم لبشر أن يقول هذه المقالة وهو متصف بتلك الصفة . وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى عليه السلام ما لم يصح عنه ، ولا ينبغي أن يقوله . والحكم : الفهم والعلم .
قوله ( ولكن كونوا ) أي ولكن يقول النبي كونوا ربانيين ، والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما يقال لعظيم اللحية لحياني ، ولعظيم الجمة جماني ، ولغليظ الرقبة رقباني ، قيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، فكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور . وقال المبرد : الربانيون أرباب العلم ، واحدهم رباني ، من قوله ربه يربه فهو ربان : إذا دبره وأصلحه ، والياء للنسب ، فمعنى الرباني : العالم بدين الرب القوي التمسك بطاعة الله ، وقيل العالم الحكيم . قوله ( بما كنتم تعلمون ) أي بسبب كونكم عالمين : أي كونوا ربانيين بهذا السبب ، فإن حصول العلم للإنسان والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم ، وقوة التمسك بطاعة الله . وقرأ ابن عباس وأهل الكوفة " بما كنتم تعلمون " بالتشديد . وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتخفيف ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد . قال : لأنها لجمع المعنيين . قال مكي : التشديد أبلغ لأن العالم قد يكون عالما غير معلم ، فالتشديد يدل على العلم والتعليم ، والتخفيف إنما يدل على العلم فقط . واختار القراءة الثانية أبو حاتم . قال أبو عمرو : وتصديقها تدرسون بالتخفيف دون التشديد انتهى . والحاصل أن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم والتعليم ، وهو أن يكون مع ذلك مخلصا أو حكيما أو حليما حتى تظهر السببية ، ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس ، فيكون المعنى كونوا معلمين بسبب كونكم علماء وبسبب كونكم تدرسون العلم . وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل ، وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه . قوله ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ) بالنصب عطفا على " ثم يقول " " ولا " مزيدة لتأكيد النفي : أي ليس له أن يأمر بعبادة نفسه ، ولا يأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا بل ينتهي عنه ، ويجوز عطفه على أن يؤتيه ، أي ما كان لبشر أن يأمركم بأن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، وبالنصب قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ، وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف والقطع من الكلام الأول : أي ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، ويؤيده أن في مصحف ابن مسعود ولن يأمركم .
والهمز في قوله ( أيأمركم ) لإنكار ما نفى عن البشر . وقوله ( بعد إذ أنتم مسلمون ) استدل به من قال إن سبب نزول الآية استئذان من استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين في أن يسجدوا له .
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم