قوله ( وإن كان ذو عسرة ) لما حكم سبحانه لأهل الربا برءوس أموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظرة إلى يسار ، والعسرة : ضيق الحال من جهة عدم المال ، ومنه جيش العسرة . والنظرة : التأخير ، والميسرة مصدر بمعنى اليسر ، وارتفع " ذو " بكان التامة التي بمعنى وجد ، وهذا قول سيبويه وأبي علي الفارسي وغيرهما .
وأنشد سيبويه :
فدى لبني ذهل بن شيبان يا فتى * إذا كان يوم ذو كواكب أشهب وفى مصحف أبي " وإن كان ذا عسرة " على معنى : وإن كان المطلوب ذا عسرة . وقرأ الأعمش " وإن كان معسرا " ، قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى وكذلك في مصحف أبي بن كعب وروى المعتمر عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان ( وإن كان ذا عسرة ) قال : النحاس ومكي والنقاش : وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا ، وعلى من قرأ " ذو " فهي عامة في جميع من عليه دين ، وإليه ذهب الجمهور . وقرأ الجماعة ( فنظرة ) بكسر الظاء . وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن بسكونها وهي لغة تميم . وقرأ نافع وحده ( ميسرة ) بضم السين والجمهور بفتحها ، وهي اليسار . قوله ( وأن تصدقوا ) بحذف إحدى التاءين ، وقرئ بتشديد الصاد : أي وأن تصدقوا على معسري هو غرمائكم بالإبراء خير لكم ، وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره ، قاله السدي وابن زيد والضحاك . قال الطبري : وقال آخرون : معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم . والصحيح الأول ، وليس في الآية مدخل للغني . قوله ( إن كنتم تعلمون ) جوابه محذوف : أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به . قوله ( واتقوا يوما ) هو يوم القيامة وتنكيره للتهويل وهو منصوب على أنه مفعول به لا ظرف . وقوله ( ترجعون فيه إلى الله ) وصف له . وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم ، والباقون بضم التاء وفتح الجيم ، وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هو يوم الموت . وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة كما تقدم . وقوله ( إلى الله ) فيه مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله ( ثم توفي كل نفس ) من النفوس المكلفة ( ما كسبت ) أي جزاء ما عملت من خير أو شر ، وجملة ( وهم لا يظلمون ) حالية ، وجمع الضمير لأنه أنسب بحال الجزاء كما أن الإفراد أنسب بحال الكسب ، وهذه الآية فيها الموعظة الحسنة لجميع الناس .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) قال : نزلت في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان الربا إلى ناس من ثقيف ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله هذه الآية . وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس ، وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع ، فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو ابن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة ، وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عتاب وقال : إن رضوا وإلا فأذنهم بحرب . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( فأذنوا بحرب ) قال : من كان مقيما على الربا لا ينزع منه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع وإلا ضرب عنقه . وأخرجوا أيضا عنه في قوله ( فأذنوا بحرب ) قال :
استيقنوا بحرب . وأخرج أهل السنن وغيرهم عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله