متعلق بقوله ( جاءه ) أو بمحذوف وقع صفة لموعظة : أي كائنة من ( من ربه فله ما سلف ) أي ما تقدم منه من الربا لا يؤاخذ به ، لأنه فعله قبل أن يبلغه تحريم الربا أو قبل أن تنزل آية تحريم الربا . وقوله ( فأمره إلى الله ) قيل الضمير عائد إلى الربا : أي وأمر الربا إلى الله في تحريمه على عباده واستمرار ذلك التحريم ، وقيل الضمير عائد إلى ما سلف : أي أمره إلى الله في العفو عنه وإسقاط التبعة فيه ، وقيل الضمير يرجع إلى المربى : أي أمر من عامل بالربا إلى الله في تثبيته على الانتهاء أو الرجوع إلى المعصية ( ومن عاد ) إلى أكل الربا والمعاملة به ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) والإشارة إلى من عاد ، وجمع أصحاب باعتبار معنى من ، وقيل إن معنى من عاد : هو أن يعود إلى القول ب ( إنما البيع مثل الربا ) وأنه يكفر بذلك فيستحق الخلود ، وعلى التقدير الأول يكون الخلود مستعارا على معنى المبالغة ، كما تقول العرب ملك خالد : أي طويل البقاء ، والمصير إلى هذا التأويل واجب للأحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحدين من النار . قوله ( يمحق الله الربا ) أي يذهب بركته في الدنيا وإن كان كثيرا فلا يبقى بيد صاحبه ، وقيل يمحق بركته في الآخرة . قوله ( ويربي الصدقات ) أي يزيد في المال الذي أخرجت صدقته ، وقيل يبارك في ثواب الصدقة ويضاعفه ويزيد في أجر المتصدق ، ولا مانع من حمل ذلك على الأمرين جميعا . قوله ( والله لا يحب كل كفار أثيم ) أي لا يرضى ، لأن الحب مختص بالتوابين ، وفيه تشديد وتغليظ عظيم على من أربي حيث حكم عليه بالكفر ، ووصفه بأثيم للمبالغة ، وقيل لإزالة الاشتراك ، إذ قد يقع على الزراع ، ويحتمل أن المراد بقوله ( كل كفار ) من صدرت منه خصلة توجب الكفر ، ووجه التصاقه بالمقام أن الذين قالوا : إنما البيع مثل الربا كفار . وقد تقدم تفسير قوله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) إلى آخر الآية .
وقد أخرج أبو يعلى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) قال : يعرفون يوم القيامة بذلك لا يستطيعون القيام إلا كما يقوم المتخبط المنخنق ( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ) وكذبوا على الله ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) ومن عاد فأكل الربا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عنه أيضا في قوله ( لا يقومون ) قال : ذلك حين يبعث من قبره . وأخرج الأصبهاني في ترغيبه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يأتي آكل الربا يوم القيامة مختبلا يجر شفتيه ، ثم قرأ ( لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) " وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم ذنب الربا ، منها من حديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم وصححه والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الربا ثلاثة وسبعون بابا ، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربي الربا عرض الرجل المسلم " ومن حديث أبي هريرة مرفوعا عند ابن ماجة والبيهقي بلفظ " سبعون بابا " وورد هذا المعنى مع اختلاف العدد عن عبد الله بن سلام وكعب وابن عباس وأنس . وأخرج ابن جرير عن الربيع في الآية قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان وهي في بعض القراءات : " لا يقومون يوم القيامة " . يعني قراءة ابن مسعود المتقدم ذكرها . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت : لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد فقرأهن على الناس .
ثم حرم التجارة في الخمر " . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال : إن من آخر القرآن نزولا آية الربا ، وإنه قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم . وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس أنه قال : آخر آية أنزلها على رسوله آية الربا . وأخرج البيهقي