responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 269


وفي لفظ آخر " لا تفضلوا بين الأنبياء " وفي لفظ " لا تخيروا بين الأنبياء " فقال قوم : إن هذا القول منه صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل ، وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل ، وقيل إنه قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك على سبيل التواضع كما قال " لا يقل أحدكم أنا خير من يونس بن متى " تواضعا مع علمه أنه أفضل الأنبياء كما يدل عليه قوله " أنا سيد ولد آدم " ، وقيل إنما نهى ذلك قطعا للجدال والخصام في الأنبياء ، فيكون مخصوصا بمثل ذلك لا إذا كان صدور ذلك مأمونا ، وقيل إن النهي إنما هو من جهة النبوة فقط ، لأنها خصلة واحدة لا تفاضل فيها ، ولا نهي عن التفاضل بزيادة الخصوصيات والكرامات ، وقيل إن المراد النهي عن التفضيل لمجرد الأهواء والعصبية . وفي جميع هذه الأقوال ضعف . وعندي أنه لا تعارض بين القرآن والسنة ، فإن القرآن دل على أن الله فضل بعض أنبيائه على بعض ، وذلك لا يستلزم أنه يجوز لنا أن نفضل بعضهم على بعض ، فإن المزايا التي هي مناط التفضيل معلومة عند الله لا تخفى عليه منها خافية وليست بمعلومة عند البشر ، فقد يجهل اتباع نبي من الأنبياء بعض مزاياه وخصوصياته فضلا عن مزايا غيره ، والتفضيل لا يجوز إلا بعد العلم بجميع الأسباب التي يكون بها هذا فاضلا وهذا مفضولا ، لا قبل العلم ببعضها أو بأكثرها أو بأقلها ، فإن ذلك تفضيل بالجهل وإقدام على أمر لا يعلمه الفاعل له وهو ممنوع منه ، فلو فرضنا أنه لم يرد إلا القرآن في الإخبار لنا بأن الله فضل بعض أنبيائه على بعض لم يكن فيه دليل على أنه يجوز للبشر أن يفضلوا بين الأنبياء ، فكيف وقد وردت السنة الصحيحة بالنهي عن ذلك ؟ وإذا عرفت هذا علمت أنه لا تعارض بين القرآن والسنة بوجه من الوجوه ، فالقرآن فيه الإخبار من الله بأنه فضل بعض أنبيائه على بعض ، والسنة فيها النهي لعباده أن يفضلوا بين أنبيائه ، فمن تعرض للجمع بينهما زاعما أنهما متعارضان فقد غلط غلطا بينا . قوله ( منهم من كلم الله ) وهو موسى ونبينا سلام الله عليهما . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في آدم " إنه نبي مكلم " . وقد ثبت ما يفيد ذلك في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر . قوله ( ورفع بعضهم درجات ) هذا البعض يحتمل أن يراد به من عظمت منزلته عند الله سبحانه من الأنبياء ويحتمل أن يراد به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لكثرة مزاياه المقتضية لتفضيله ، ويحتمل أن يراد به إدريس لأن الله سبحانه أخبرنا بأنه رفعه مكانا عليا ، وقيل إنهم أولوا العزم ، وقيل إبراهيم ، ولا يخفاك أن الله سبحانه أبهم هذا البعض المرفوع ، فلا يجوز لنا التعرض للبيان له إلا ببرهان من الله سبحانه أو من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ولم يرد ما يرشد إلى ذلك ، فالتعرض لبيانه هو من تفسير القرآن الكريم بمحض الرأي ، وقد عرفت ما فيه من الوعيد الشديد مع كون ذلك ذريعة إلى التفضيل بين الأنبياء وقد نهينا عنه ، وقد جزم كثير من أئمة التفسير أنه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأطالوا في ذلك ، واستدلوا بما خصه الله به من المعجزات ومزايا الكمال وخصال الفضل ، وهم بهذا الجزم بدليل لا يدل على المطلوب قد وقعوا في خطرين وارتكبوا نهيين ، وهما تفسير القرآن بالرأي ، والدخول في ذرائع التفضيل بين الأنبياء ، وإن لم يكن ذلك تفضيلا صريحا فهو ذريعة إليه بلا شك ولا شبهة ، لأن من جزم بأن هذا البعض المرفوع درجات هو النبي الفلاني انتقل من ذلك إلى التفضيل المنهي عنه ، وقد أغنى الله نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك بما لا يحتاج معه إلى غيره من الفضائل والفواضل ، فإياك أن تتقرب إليه صلى الله عليه وآله وسلم بالدخول في أبواب نهاك عن دخولها فتعصيه وتسئ وأنت تظن أنك مطيع محسن . قوله ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات ) أي الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة من إحياء الأموات وإبراء المرضى وغير ذلك . قوله ( وأيدناه بروح القدس ) هو جبريل ، وقد تقدم الكلام على هذا . قوله ( ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ) أي من بعد الرسل ، وقيل من بعد موسى وعيسى ومحمد ، لأن الثاني مذكور صريحا ، والأول

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 269
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست