قوله ( يا أيها الناس ) قيل إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الأنعام . حكاه القرطبي في تفسيره ، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . وقوله ( حلالا ) مفعول أو حال ، وسمي الحلال حلالا لانحلال عقدة الحظر عنه . والطيب هنا هو المستلذ كما قاله الشافعي وغيره . وقال مالك وغيره : هو الحلال فيكون تأكيدا لقوله ( حلالا ) . ومن في قوله ( مما في الأرض ) للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام ( وخطوات ) جمع خطوة بالفتح والضم ، وهي بالفتح للمرة ، وبالضم لما بين القدمين . وقرأ القراء خطؤات بفتح الخاء ، وقرأ أبو سماك بفتح الخاء والطاء ، وقرأ علي وقتادة والأعرج وعمرو بن ميمون والأعمش " خطؤات " بضم الخاء والطاء والهمز على الواو . قال الأخفش : وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خطية من الخطأ لا من الخطو .
قال الجوهري : والخطوة بالفتح : المرة الواحدة ، والجمع خطوات وخطا انتهى . والمعنى على قراءة الجمهور :
لا تقفوا أثر الشيطان وعمله ، وكل ما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان ، وقيل هي النذور والمعاصي ، والأولى التعميم ، وعدم التخصيص بفرد أو نوع . وقوله ( إنه لكم عدو مبين ) أي ظاهر العداوة ، ومثله قوله تعالى - إنه عدو مضل مبين - وقوله - إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا - . وقوله ( بالسوء ) سمي السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عاقبته ، وهو مصدر ساءه يسوؤه سوءا ومساءة إذا أحزنه . ( والفحشاء ) أصله سوء المنظر ، ومنه قول الشاعر : * وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش * ثم استعمل فيما يقبح من المعاني ، وقيل السوء : القبيح ، والفحشاء : التجاوز للحد في القبح ، وقيل السوء : مالا حد فيه ، والفحشاء : ما فيه الحد ، وقيل الفحشاء : الزنا ، وقيل إن كل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء . وقوله ( وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ) قال ابن جرير الطبري : يريد ما حرموه من البحيرة والسائبة ونحوهما مما جعلوه شرعا ، وقيل هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم . والظاهر أنه يصدق على كل ما قيل في الشرع بغير علم . وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض فأصله الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه ، وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى - هو الذي خلق لكم ما في الأرض - . والضمير في قوله ( وإذا قيل لهم ) راجع إلى الناس ، لأن الكفار منهم وهم المقصودون هنا ، وقيل كفار العرب خاصة ، و ( ألفينا ) معناه وجدنا ، والألف في قوله ( أولو كان آباؤهم ) للاستفهام ، وفتحت الواو لأنها واو العطف . وفي هذه الآية من الذم للمقلدين والنداء بجهلهم الفاحش واعتقادهم الفاسد مالا يقادر قدره ، ومثل هذه الآية قوله تعالى - وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا - الآية ، وفي ذلك دليل على قبح التقليد ، والمنع منه ، والبحث في ذلك يطول . وقد أفردته بمؤلف مستقل سميته [ القول المفيد : في حكم التقليد ] واستوفيت