responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 12


علم التفسير لكلام القوي القدير ، إذا كان على الوجه المعتبر في الورود والصدر ، غير مشوب بشئ من التفسير بالرأي الذي هو من أعظم الخطر ، وهذه الأشرفية لهذا العلم غنية عن البرهان ، قريبة إلى الأفهام والأذهان ، يعرفها من يعرف الفرق بين كلام الخلق والحق ، ويدري بها من يميز بين كلام البشر ، وكلام خالق القوى والقدر ، فمن فهم هذا استغنى عن التطويل ، ومن لم يفهمه فليس بمتأهل للتحصيل ، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول فيما أخرجه عنه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه " .
ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشامخة الأركان ، العالية البنيان ، المرتفعة المكان ، رغبت إلى الدخول من أبوابه ، ونشطت إلى القعود في محرابه ، والكون من أحزابه ، ووطنت النفس على سلوك طريقة ، هي بالقبول عند الفحول حقيقة ، وها أنا أوضح لك منارها ، وأبين لك إيرادها وإصدارها فأقول :
إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين ، وسلكوا طريقين : الفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية ، وقنعوا برفع هذه الراية . والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية ، وما تفيده العلوم الآلية ، ولم يرفعوا إلى الرواية رأسا ، وإن جاءوا بها لم يصححوا لها أساسا ، وكلا الفريقين قد أصاب ، وأطال وأطاب ، وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب ، وترك منها ما لا يتم بدونه كمال الانتصاب ، فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن كان المصير إليه متعينا ، وتقديمه متحتما ، غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن ، ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا الشأن اثنان . وأما ما كان منها ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم ، فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره ، وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم . فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب .
فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة . وأيضا كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه النظم القرآني باعتبار المعنى اللغوي . ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ، ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها كعلم المعاني والبيان ، فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة ، لا تفسير بمحض الرأي المنهي عنه . وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه . وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال : ليس في تفسير القرآن اختلاف ، إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا . وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال : قال أبو الدرداء : لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها . وأخرج ابن سعد أن عليا قال لابن عباس : اذهب إليهم - يعني الخوارج - ولا تخاصمهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ، ولكن خاصمهم بالسنة ، فقال له : أنا أعلم بكتاب الله منهم . فقال : صدقت . ولكن القرآن حمال ذو وجوه . وأيضا لا يتيسر في كل تركيب من التراكيب القرآنية تفسير ثابت عن السلف . بل قد يخلو عن ذلك كثير من القرآن ، ولا اعتبار بما لم يصح كالتفسير المنقول بإسناد ضعيف ، ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه . وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين . وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين . وهذا هو المقصد الذي وطنت نفسي عليه . والمسلك الذي عزمت على سلوكه إن شاء الله مع تعرضي للترجيح بين التفاسير

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 12
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست