وهب بن منبه قصة طويلة في ذكر البقرة وصاحبها لا حاجة إلى التطويل بذكرها ، وقد استوفاها في الدر المنثور .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) قال : من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم فقال ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) إلى آخر الآية . وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أي من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال " إن الحجر ليقع على الأرض ولو اجتمع عليه فئام من الناس ما استطاعوه ، وأنه ليهبط من خشية الله " .
قوله ( أفتطمعون ) هذا الاستفهام فيه معنى الإنكار ، كأنه آيسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود . والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوله ولهم . و ( يؤمنوا لكم ) أي لأجلكم ، أو على تضمين آمن معنى استجاب : أي أتطمعون أن يستجيبوا لكم . والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه . و ( كلام الله ) أي التوراة ، وقيل إنهم سمعوا خطاب الله لموسى حين كلمه ، وعلى هذا فيكون الفريق هم السبعون الذين اختارهم موسى ، وقرأ الأعمش " كلم الله " . والمراد من التحريف أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة ، فجعلوا حلاله حراما أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم كتحريفهم صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإسقاط الحدود عن أشرافهم ، أو سمعوا كلام الله لموسى فزادوا فيه ونقصوا ، وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر وإنكار على من طمع في إيمانهم وحالهم هذه الحال : أي ولهم سلف حرفوا كلام الله وغيروا شرائعه وهم مقتدون بهم متبعون سبيلهم . ومعنى قوله ( من بعد ما عقلوه ) أي من بعد ما فهموه بعقولهم مع كونهم يعلمون أن ذلك الذي فعلوه تحريف مخالف لما أمرهم الله به من تبليغ شرائعه كما هي ، فهم وقعوا في المعصية عالمين بها ، وذلك أشد لعقوبتهم وأبين لضلالهم .
( وإذا لقوا الذين آمنوا ) يعني أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا ( قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ) أي إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) أي حكم عليكم من العذاب ، وذلك أن ناسا من اليهود أسلموا ثم نافقوا ، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم ، وقيل إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة محمد ، وقد تقدم معنى خلا . والفتح عند العرب : القضاء والحكم ، والفتاح :
القاضي بلغة اليمن ، والفتح : النصر ، ومن ذلك قوله تعالى - يستفتحون على الذين كفروا - وقوله - إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح - ومن الأول - ثم يفتح بيننا بالحق وهو خير الفاتحين - أي الحاكمين ، ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين ، والمحاجة : إبراز الحجة ، أي لا تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب فيكون ذلك حجة لهم عليكم فيقولون : نحن أكرم على الله منكم وأحق بالخير منه . والحجة ، الكلام المستقيم ، وحاججت فلانا فحججته أي غلبته بالحجة . ( أفلا تعقلون ) ما فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم . ثم وبخهم الله سبحانه