responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : جامع البيان عن تأويل آي القرآن نویسنده : محمد بن جرير الطبري    جلد : 1  صفحه : 314


ذريته ، وأفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء ، وإن جعلتكم فيها أطعتموني ، واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس . فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم ، وعلمه غيركم بتعليمي إياه ، فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد ، وبما هو مستتر من الأمور التي هي موجودة عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالمين ، فلا تسألوني ما ليس لكم به علم ، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي .
وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته الذين قالوا له : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) من جهة عتابه جل ذكره إياهم ، نظير قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه ، إذ قال :
( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) [1] : لا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين . فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خلفاءه في الأرض يسبحوه ويقدسوه فيها ، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله في الأرض خليفة ، يفسدون فيها ، ويسفكون الدماء ، فقال لهم جل ذكره : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) يعني بذلك أني أعلم أن بعضكم فاتح المعاصي وخاتمها - وهو إبليس - منكرا بذلك تعالى ذكره قولهم . ثم عرفهم موضع هفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك ، بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عيانا ، فكيف بما لم يروه ولم يخبروا عنه بعرضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذ ، وقيله لهم : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبحتموني وقدستموني ، وإن استخلفت فيها غيركم عصاني ذريته ، وأفسدوا وسفكوا الدماء . فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم ، وبدت لهم هفوة زلتهم أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) فسارعوا الرجعة من الهفوة ، وبادروا الإنابة من الزلة ، كما قال نوح حين عوتب في مسألته ، فقيل له : لا تسألن ما ليس لك به علم : ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) [2] وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له ، سريعة إلى الحق إنابته ، قريبة إليه أوبته .
وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أن قوله : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) لم يكن ذلك لان الملائكة ادعوا شيئا ، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب



[1] سورة هود ، الآية : 45 .
[2] سورة هود ، الآية : 47 .

نام کتاب : جامع البيان عن تأويل آي القرآن نویسنده : محمد بن جرير الطبري    جلد : 1  صفحه : 314
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست