ذلك في قوله : ذلك الكتاب لأنه جل ذكره لما قدم قبل ذلك الكتاب ألم التي ذكرنا تصرفها في وجوهها من المعاني على ما وصفنا ، قال لنبيه ( ص ) : يا محمد هذا الذي ذكرته وبينته لك الكتاب . ولذلك حسن وضع ذلك في مكان هذا ، لأنه أشير به إلى الخبر عما تضمنه قوله : ألم من المعاني بعد تقضي الخبر عنه بألم ، فصار لقرب الخبر عنه من تقضيه كالحاضر المشار إليه ، فأخبر عنه بذلك لانقضائه ومصير الخبر عنه كالخبر عن الغائب . وترجمه المفسرون أنه بمعنى هذا لقرب الخبر عنه من انقضائه ، فكان كالمشاهد المشار إليه بهذا نحو الذي وصفنا من الكلام الجاري بين الناس في محاوراتهم ، وكما قال جل ذكره : واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر فهذا ما في ذلك إذا عنى بها هذا . وقد يحتمل قوله جل ذكره : ذلك الكتاب أن يكون معنيا به السور التي نزلت قبل سورة البقرة بمكة والمدينة ، فكأنه قال جل ثناؤه لنبيه محمد ( ص ) : يا محمد اعلم أن ما تضمنته سور الكتاب التي قد أنزلتها إليك هو الكتاب الذي لا ريب فيه . ثم ترجمه المفسرون بأن معنى ذلك : هذا الكتاب ، إذ كانت تلك السور التي نزلت قبل سورة البقرة من جملة جميع كتابنا هذا الذي أنزله الله عز وجل على نبينا محمد ( ص ) . وكان التأويل الأول أولى بما قاله المفسرون لان ذلك أظهر معاني قولهم الذي قالوه في ذلك . وقد وجه معنى ذلك بعضهم إلى نظير معنى بيت خفاف بن ندبة السلمي :
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها * فعمدا على عين تيممت مالكا أقول له والرمح يأطر متنه * تأمل خفافا إنني أنا ذلكا كأنه أراد : تأملني أنا ذلك . فرأى أن ذلك الكتاب بمعنى هذا نظير ما أظهر خفاف من اسمه على وجه الخبر عن الغائب وهو مخبر عن نفسه ، فلذلك أظهر ذلك بمعنى الخبر عن الغائب ، والمعنى فيه الإشارة إلى الحاضر المشاهد . والقول الأول أولى بتأويل الكتاب لما ذكرنا من العلل .