فجعلهم سفراء بينه وبين خلقه ، وأمناء على وحيه ، واختصهم بفضله ، واصطفاهم برسالته . ثم جعلهم فيما خصهم به من مواهبه ، ومن به عليهم من كراماته ، مراتب مختلفة ، ومنازل مفترقة ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، متفاضلات متباينات ، فكرم بعضهم بالتكليم [1] والنجوى ، وأيد بعضهم بروح القدس ، وخصه بإحياء الموتى ، وإبراء أولي العاهة والعمى [2] .
وفضل نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الدرجات بالعليا ، ومن المراتب بالعظمى ، فحباه من أقسام [3] كرامته بالقسم الأفضل ، وخصة من درجات النبوة بالحظ الأجزل ، ومن الاتباع والأصحاب بالنصيب الأوفر . وابتعثه بالدعوة التامة ، والرسالة العامة ، وحاطه وحيدا ، وعصمه فريدا ، من كل جبار عاند [4] ، وكل شيطان مارد [5] ، حتى أظهر به الدين ، وأوضح به السبيل ، وأنهج به معالم الحق ، ومحق به منار الشرك ، وزهق به الباطل ، واضمحل به الضلال وخدع الشيطان ، وعبادة الأصنام ، والأوثان . مؤيدا بدلالة على الأيام باقية ، وعلى الدهور والأزمان ثابتة ، وعلى ممر الشهور والسنين دائمة ، ويزداد ضياؤها على كر الدهور إشراقا ، وعلى مر الليالي والأيام ائتلاقا ، تخصيصا من الله له بها ، دون سائر رسله ، الذين قهرتهم الجبابرة ، واستذلتهم ( 8 ) الأمم الفاجرة ، فعفت بعدهم منهم الآثار ، وأخملت ذكرهم الليالي والأيام ، ودون من كان منهم مرسلا إلى أمة دون أمة ، وخاصة دون عامة ، وجماعة دون كافة .
فالحمد لله الذي كرمنا بتصديقه ، وشرفنا باتباعه ، وجعلنا من أهل الاقرار والايمان به وبما دعا إليه وجاء به ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أزكى صلواته ، وأفضل سلامه ، وأتم تحياته .
أما بعد ، فإن من جسيم ما خص الله به أمة نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الفضيلة ، وشرفهم به