كثرتها ، واستنارتها ، من شرب منه شربه ، لم يظمأ بعدها أبدا . ولما ذكر منته عليه ، أمره بشكرها فقال : * ( فصل لربك وانحر ) * خص هاتين العبادتين بالذكر ، لأنهما أفضل العبادات ، وأجل القربات . ولأن الصلاة تتضمن الخضوع في القلب والجوارح لله ، وتنقله في أنواع العبودية . وفي النحر ، تقرب إلى الله ، بأفضل ما عند العبد ، من الأضاحي ، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته ، والشح به . * ( إن شانئك ) * ، أي : مبغضك وذامك ، ومنتقصك * ( هو الأبتر ) * ، أي : المقطوع من كل خير ، مقطوع العمل ، مقطوع الذكر . وأما محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو الكامل حقا ، الذي له الكمال الممكن للمخلوق ، من رفع الذكر ، وكثرة الأنصار والأتباع ، صلى الله عليه وسلم . تم تفسير سورة الكوثر فلله الحمد والشكر . سورة الكافرون * ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ) * أي : قل للكافرين معلنا ومصرحا * ( لا أعبد ما تعبدون ) * ، أي : تبرأ مما كانوا يعبدون من دون الله ، ظاهرا وباطنا . * ( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) * لعدم إخلاصكم في عبادتكم لله ، فعبادتكم له ، المقترنة بالشرك ، لا تسمى عبادة . وكرر ذلك ، ليدل الأول على عدم وجود الفعل ، والثاني ، على أن ذلك قد صار وصفا لازما . ولهذا ميز بين الفريقين ، وفصل بين الطائفتين ، فقال : * ( لكم دينكم ولي دين ) * كما قال تعالى : * ( قل كل يعمل على شاكلته * أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) * . تم تفسير سورة الكافرين بفضل الله وتيسيره . سورة النصر * ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) * في هذه السورة الكريمة ، بشارة وأمر لرسوله عند حصولها ، وإشارة وتنبيه على ما يترتب على ذلك . فالبشارة هي : البشارة بنصر الله لرسوله ، وفتحه مكة ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ، بحيث يكون كثير منهم من أهله وأنصاره ، بعد أن كانوا من أعدائه ، وقد وقع هذا المبشر به . وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح ، فأمر رسوله أن يشكره على ذلك ، ويسبح بحمده ويستغفره . وأما الإشارة ، فإن في ذلك إشارتين : إشارة أن النصر يستمر للدين ، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره ، من رسوله ، فإن هذا من الشكر ، والله يقول : * ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) * . وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة . لم يزل نصر الله مستمرا ، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان ، ودخل فيه من لم يدخل في غيره ، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث ، فابتلوا بتفرق الكلمة ، وتشتت الأمر ، فحصل ما حصل . ومع هذا ، فلهذه الأمة ، وهذا الدين ، من رحمة الله ولطفه ، ما لا يخطر بالبال ، ويدور في الخيال . وأما الإشارة الثانية ، فهي إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا ، ووجه ذلك أن عمره ، عمر فاضل ، أقسم الله به . وقد عهد أن الأمور الفاضلة ، تختم بالاستغفار ، كالصلاة ، والحج ، وغير ذلك . فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال ، إشارة إلى أن أجله قد انتهى ، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه ، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه . فكان يتأول القرآن ، ويقول ذلك في صلاته يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ) . تم تفسير سورة النصر بتيسير الله ومعونته . سورة المسد * ( تبت يدآ أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى