كعصف مأكول ) * أي : أما رأيت من قدرة الله ، وعظيم شأنه ، ورحمته بعباده ، وأدلة توحيده ، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم ، ما فعله الله بأصحاب الفيل ، الذين كادوا بيته الحرام ، وأرادوا إخرابه . فتجهزوا لأجل ذلك ، واستصحبوا معهم الفيلة لهدمه ، وجاءوا بجمع لا قبل للعرب به ، من الحبشة واليمن . فلما انتهوا إلى قرب مكة ، ولم يكن بالعرب مدافعة ، وخرج أهل مكة خوفا منهم ، أرسل الله عليهم طيرا أبابيل ، أي : متفرقة ، تحمل أحجارا محماة ، من سجيل . فرمتهم بها ، وتتبعت قاصيهم ودانيهم . فخمدوا وهمدوا ، وصاروا كعصف مأكول . وكفى الله شرهم ، ورد كيدهم في نحورهم . وقصتهم معروفة مشهورة ، وكانت تلك السنة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . فصارت من جملة إرهاصات دعوته ، وأدلة رسالته ، فلله الحمد والشكر . تم تفسير سورة الفيل بحمد الله وفضله . سورة قريش * ( لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتآء والصيف * فليعبدوا رب ه ذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) * قال كثير من المفسرين : إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها ، أي : فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم ، واستقامة مصالحهم ، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن ، وفي الصيف للشام ، لأجل التجارة والمكاسب . فأهلك الله من أرادهم بسوء ، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب ، حتى احترموهم ، ولم يعترضوا لهم ، في أي سفر أرادوا . ولهذا أمرهم الله بالشكر ، فقال ؛ * ( فليعبدوا رب هذا البيت ) * ، أي : ليوحدوه ، ويخلصوا له العبادة . * ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) * فرغد الرزق والأمن من الخوف ، من أكبر النعم الدنيوية ، الموجبة لشكر الله تعالى . فلك اللهم الحمد والشكر ، على نعمك الظاهرة والباطنة . وخص الله الربوبية بالبيت ، لفضله وشرفه ، وإلا فهو رب كل شيء . تم تفسير سورة قريش بعون الله وتيسيره . سورة الماعون * ( أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين * فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يرآءون * ويمنعون الماعون ) * * ( أرأيت الذي يكذب بالدين ) * ، أي : بالبعث والجزاء ، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل . * ( فذلك الذي يدع اليتيم ) * ، أي : يدفعه بعنف وشدة ، ولا يرحمه لقساوة قلبه ؛ ولأنه لا يرجو ثوابا ، ولا يخاف عقابا . * ( ولا يحض ) * ( غيره ) * ( على طعام المسكين ) * ، ومن باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين . * ( فويل للمصلين ) * ، أي : الملتزمين لإقامة الصلاة ، ولكنهم * ( عن صلاتهم ساهون ) * ، أي : مضيعون لها ، تاركون لوقتها ، ومخلون بأركانها . وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة ، التي هي أهم الطاعات . والسهو عن الصلاة ، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم . وأما السهو في الصلاة ، فهذا يقع من كل أحد ، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم . ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة ، وعدم الرحمة ، فقال : * ( الذين هم يراءون ) * ، أي : يعملون الأعمال ، لأجل رئاء الناس . * ( ويمنعون الماعون ) * ، أي : يمنعون إعطاء الشيء ، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية ، أو الهبة ، كالإناء ، والدلو ، والفأس ، ونحو ذلك ، مما جرت العادة ببذله ، والسماح به . فهؤلاء لشدة حرصهم يمنعون الماعون ، فكيف بما هو أكثر منه . وفي هذه السورة ، الحث على إطعام اليتيم ، والمساكين ، والتحضيض على ذلك ، ومراعاة الصلاة ، والمحافظة عليها ، وعلى الإخلاص فيها ، وفي سائر الأعمال . والحث على فعل المعروف ، وبذل الأموال الخفيفة ، كعارية الإناء ، والدلو ، والكتاب ، ونحو ذلك ، لأن الله ، ذم من لم يفعل ذلك ، والله سبحانه أعلم . تم تفسير سورة الماعون بعون الله ومعونته . سورة الكوثر * ( إنآ أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر ) * يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : * ( إنا أعطيناك الكوثر ) * ، أي : الخير الكثير ، والفضل الغزير ، الذي من جملته ، ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، من النهر الذي يقال له ( الكوثر ) . ومن الحوض ، طوله شهر ، وعرضه شهر ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء في