له ، فرد الله عليه هذا الحسبان ، فقال : * ( كلا ) * ، أي : ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي ، ولا كل من قدرت عليه رزقه ، فهو مهان لدي . وإنما الغنى والفقر ، والسعة والضيق ، ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم بالشكر والصبر فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ومن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل . وأيضا ، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط ، من ضعف الهمة ، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين ، فقال : * ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ) * الذي فقد أباه وكاسبه ، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه . فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه ، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم ، وعدم الرغبة في الخير . * ( ولا تحاضون على طعام المسكين ) * ، أي : لا يحض بعضكم بعضا ، على إطعام المحاويج من الفقراء والمساكين ، وذلك لأجل الشح على الدنيا ، ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب ، ولهذا قال : * ( وتأكلون التراث ) * ، أي : المال المخلف * ( أكلا لما ) * ، أي : ذريعا ، لا تبقون على شيء منه . * ( وتحبون المال حبا جما ) * أي : شديدا ، وهذا كقوله : * ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) * ، * ( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ) * . * ( فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر * إن إلينآ إيابهم * ثم إن علينا حسابهم * والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر ) * * ( كلا ) * ، أي : ليس كل ما أحببتم من الأموال ، وتنافستم فيه من اللذات ، بباق لكم ، بل أمامكم يوم عظيم ، وهول جسيم ، تدك فيه الأرض والجبال وما عليها حتى تجعل قاعا صفصفا ، لا عوج فيه ولا أمت . ويجيء الله لفصل القضاء بين عباده ، في ظلل من الغمام . وتجيء الملائكة الكرام ، أهل السماوات كلهم ، صفا صفا ، أي : صفا بعد صف ، كل سماء يجيء ملائكتها صفا ، يحيطون بمن دونهم من الخلق ، وهذه الصفوف صفوف خضوع وذل للملك الجبار . * ( وجئ يومئذ بجهنم ) * تقودها الملائكة بالسلاسل . فإذا وقعت هذه الأمور * ( يومئذ يتذكر الإنسان ) * ما قدمه من خير ومن شر . * ( وأنى له الذكرى ) * ، فقد قامت أوانها ، وذهب زمانها . * ( يقول ) * متحسرا على ما فرط في جنب الله : * ( يا ليتني قدمت لحياتي ) * الباقية الدائمة ، عملا صالحا ، كما قال تعالى : * ( يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) * . وفي هذا دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في كمالها وتحصيلها وكمالها ، وفي تتميم لذاتها ، هي الحياة في دار القرار ، فإنها دار الخلد والبقاء . * ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ) * لما أهمل ذلك اليوم ، ونسي العمل له . * ( ولا يوثق وثاقه أحد ) * ، فإنهم يوثقون بسلاسل من نار ، ويسحبون على وجوههم في الحميم ، ثم في النار يسجرون ، فهذا جزاء المجرمين . وأما من آمن بالله ، واطمأن به ، وصدق رسله ، فيقال له : * ( يا أيتها النفس المطمئنة ) * إلى ذكر الله ، الساكنة إلى حبه ، التي قرت عينها بالله . * ( ارجعي إلى ربك ) * الذي رباك بنعمته * ( راضية مرضية ) * ، أي : راضية عن الله ، وعن ما أكرمها به من الثواب ، والله قد رضي عنها . * ( فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) * وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة ، وتخاطب به وقت السياق والموت . تم تفسير سورة الفجر والحمد لله رب العالمين . سورة البلد * ( لا أقسم به ذا البلد * وأنت حل به ذا البلد * ووالد وما ولد * لقد خلقنا الإنسان في كبد * أيحسب أن لن يقدر عليه أحد * يقول أهلكت مالا لبدا * أيحسب أن لم يره أحد * ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين * فلا اقتحم العقبة * ومآ أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * أول ئك أصحاب الميمنة * والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة * عليهم نار مؤصدة ) * يقسم تعالى * ( بهذا البلد ) *