وأذهل أفئدتهم الفزع ، وغلب عليهم التأسف ، واستولت عليهم الحسرة . * ( يقولون ) * أي : منكرو البعث في الدنيا استهزاء وإنكارا للبعث : * ( أإنا لمردودون في الحافرة ) * ، أي : أنرد بعد الموت إلى الخلقة الأولى ؟ استفهام إنكاري مشتمل على غاية التعجب ، ونهاية الاستغراب ، أنكروا البعث ، ثم ازدادوا استبعادا فاستمروا . يقولون ، أي : الكفار في الدنيا ، على وجه التكذيب : * ( أإذا كنا عظاما نخرة ) * ، أي : بالية فتاتا . والمعنى : ( أنرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاما وهي رميم ؟ ) . * ( قالوا تلك إذا كرة خاسرة ) * ، أي : استبعدوا أن يبعثهم الله ، ويعيدهم بعدما كانوا عظاما نخرة ، جهلا منهم بقدرة الله ، وتجرؤا عليه . قال الله في بيان سهولة هذا الأمر عليه : * ( فإنما هي زجرة واحدة ) * ، ينفخ في الصور . * ( فإذا هم ) * ، أي : الخلائق كلهم * ( بالساهرة ) * ، أي : على وجه الأرض ، قيام ينظرون ، فيجمعهم الله ، ويقضي بينهم ، بحكمه العدل ، ويجازيهم . * ( هل أتاك حديث موسى * إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى * اذهب إلى فرعون إنه طغى * فقل هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى * فأراه الآية الكبرى * فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى * فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) * يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : * ( هل أتاك حديث موسى ) * ، وهذا الاستفهام عن أمر عظيم متحقق وقوعه . أي : هل أتاك حديثه * ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ) * وهو المحل الذي كلمه الله فيه ، وامتن عليه بالرسالة ، وابتعثه بالوحي ، واجتباه فقال له : * ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) * ، أي : فانهه عن طغيانه ، وشركه ، وعصيانه ، بقول لين ، وخطاب لطيف لعله * ( يتذكر أو يخشى ) * * ( فقل ) * له : * ( هل لك إلى أن تزكى ) * ، أي : هل لك في خصلة حميدة ، ومحمدة جميلة ، يتنافس فيها أولو الألباب ، وهي أن تزكي نفسك ، وتطهرها من دنس الكفر والطغيان ، إلى الإيمان والعمل الصالح ؟ * ( وأهديك إلى ربك ) * ، أي : أدلك عليه ، وأبين لك مواقع رضاه ، من مواقع سخطه . * ( فتخشى ) * الله ، إذا علمت الصراط المستقيم ، فامتنع فرعون مما دعاه إليه موسى . * ( فأراه الآية الكبرى ) * ، أي : جنس الآية الكبرى ، فلا ينافي تعددها * ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ) * . * ( فكذب ) * بالحق * ( وعصي ) * الأمر ، * ( ثم أدبر يسعى ) * ، أي : يجتهد في مبارزة الحق . * ( فحشر ) * جنوده أي : جمعهم * ( فنادى فقال ) * لهم : * ( أنا ربكم الأعلى ) * فأذعنوا له ، وأقروا بباطله ، حين استخفهم . * ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) * أي : جعل الله عقوبته ، دليلا وزاجرا ، ومبينة لعقوبة الدنيا والآخرة . * ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) * ، فإن من يخشى الله ، هو الذي ينتفع بالآيات والعبر . فإذا رأى عقوبة فرعون ، عرف أن من تكبر وعصى ، وبارز الملك الأعلى ، يعاقبه في الدنيا والآخرة ، وأما من ترحلت خشية الله من قبله ، فلو جاءته كل آية لا يؤمن بها . * ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم ) * يقول تعالى مبينا دليلا واضحا لمنكري البعث ، ومستبعدي إعادة الله للأجساد : * ( أأنتم ) * أيها البشر * ( أشد خلقا أم السماء ) * ذات الجرم العظيم ، والخلق القوي ، والارتفاع الباهر * ( بناها ) * الله . * ( رفع سمكها ) * ، أي : جرمها وصورتها * ( فسواها ) * بإحكام وإتقان ، يحير العقول ، ويذهل الألباب . * ( وأغطش ليلها ) * ، أي : أظلمه ، فعمت الظلمة ، جميع أرجاء السماء ، فأظلم وجه الأرض . * ( وأخرج ضحاها ) * ، أي : أظهر فيه النور العظيم ، حين أتى بالشمس ، فانتشر الناس في مصالح دينهم ودنياهم . * ( والأرض بعد ذلك ) * أي : بعد خلق السماء * ( دحاها ) * ، أي : أودع فيها منافعها . وفسر ذلك بقوله : * ( أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها ) * ، أي : ثبتها بالأرض . فدحى الأرض بعد خلق السماوات ، كما هو نص هذه الآيات الكريمة . وأما خلق نفس الأرض ، فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى : * ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ) * إلى أن قال : * ( ثم استوى إلى السماء ) * .