خلاله ثلاث شعب ، أي : قطع من النار ، تتعاوره وتتناوبه ، وتجتمع به . * ( لا ظليل ) * ذلك الظل ، أي : لا راحة فيه ، ولا طمأنينة . * ( ولا يغني ) * من مكث فيه * ( من اللهب ) * ، بل اللهب قد أحاط به ، يمنة ويسرة ، ومن كل جانب ، كما قال تعالى : * ( لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ) * ، * ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين ) * . ثم ذكر عظيم شرر النار ، الدال على عظمها وفظاعتها ، وسوء منظرها ، فقال : * ( إنها ترمي بشرر كالقصر * كأنه جملت صفر ) * وهي : السود التي تضرب إلى لون فيه صفرة ، وهذا يدل على أن النار مظلمة ، لهبها وجمرها وشررها ، وأنها سوداء ، كريهة المنظر ، شديدة الحرارة ، نسأل الله العافية منها ، ومن الأعمال المقربة منها . * ( ويل يومئذ للمكذبين ) * . * ( ه ذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون * ويل يومئذ للمكذبين * ه ذا يوم الفصل جمعناكم والأولين * فإن كان لكم كيد فكيدون * ويل يومئذ للمكذبين ) * أي : هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين ، لا ينطقون فيه من الخوف والوجل الشديد . * ( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) * ، أي : لا تقبل معذرتهم ، ولو اعتذروا : * ( فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ) * . * ( هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين ) * لنفصل بينكم ، ونحكم بين الخلائق . * ( فإن كان لكم كيد ) * تقدرون على الخروج به عن ملكي ، وتنجون من عذابي ، * ( فكيدون ) * ، أي : ليس لكم قدرة تولا سلطان ، كما قال تعالى : * ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ، ولا تنفذون إلا بسلطان ) * . ففي ذلك اليوم ، تبطل حيل الظالمين ، ويضمحل مكرهم وكيدهم ، ويستسلمون لعذاب الله ، ويبين لهم كذبهم في تكذيبهم * ( ويل يومئذ للمكذبين ) * . * ( إن المتقين في ظلال وعيون * وفواكه مما يشتهون * كلوا واشربوا هني ئا بما كنتم تعملون * إنا كذلك نجزي المحسنين * ويل يومئذ للمكذبين ) * لما ذكر عقوبة المكذبين ، ذكر مثوبة المحسنين ، فقال : * ( إن المتقين ) * ، أي : للتكذيب ، المتصفين بالتصديق ، في أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم . ولا يكونون كذلك ، إلا بأدائهم الواجبات ، وتركهم المحرمات . * ( في ظلال ) * من كثيرة الأشجار المتنوعة ، الزاهرة البهية . * ( وعيون ) * جارية من السلسبيل ، والرحيق وغيرهما . * ( وفواكه مما يشتهون ) * ، أي : من خيار الفواكه وأطيبها ، ويقال لهم : * ( كلوا واشربوا ) * من المآكل الشهية ، والأشربة اللذيذة ، * ( هنيئا ) * ، أي : من غير منغص ولا مكدر . ولا يتم هناؤه ، حتى يسلم الطعام والشراب ، من كل آفة ونقص ، وحتى يجزموا أنه غير منقطع ، ولا زائل . * ( بما كنتم تعملون ) * فأعمالكم ، هي السبب الموصل لكم إلى جنات النعيم المقيم . وهكذا كل من أحسن في عبادة الله ، وأحسن إلى عباد الله ، ولهذا قال : * ( إنا كذلك نجزي المحسنين ويل يومئذ للمكذبين ) * ، ولو لم يكن من هذا الويل ، إلا فوات هذا النعيم ، لكفى به حزنا وحرمانا . * ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده يؤمنون ) * هذا تهديد ووعيد للمكذبين ، أنهم وإن أكلوا في الدنيا ، وشربوا وتمتعوا باللذات ، وغفلوا عن القربات ، فإنهم مجرمون ، يستحقون ما يستحقه المجرمون ، فتنقطع عنهم اللذات ، وتبقى عليهم التبعات . ومن إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة ، التي هي أشرف العبادات ، وقيل لهم : * ( اركعوا ) * امتنعوا من ذلك . فأي إجرام فوق هذا ؟ وأي تكذيب يزيد على هذا ؟ * ( ويل يومئذ للمكذبين ) * ، ومن الويل عليهم أنهم تنسد عنهم أبواب التوفيق ، ويحرمون كل خير ، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن ، الذي هو أعلى مراتب الصدق واليقين عل الإطلاق . * ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) * ، أبالباطل ، الذي هو كاسمه ، لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل ؟ أم بكلام مشرك كذاب ، أفاك مبين ؟ فليس بعد النور المبين ، إلا دياجي