يرحم الله به عباده ، ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم ، تلقيه إلى الرسل . * ( عذرا أو نذرا ) * ، أي : إعذارا ، أو إنذارا للناس ، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف ، وتقطع أعذارهم ، فلا يكون لهم حجة على الله . * ( إنما توعدون ) * من البعث والجزاء على الأعمال * ( لواقع ) * ، أي : متحتم وقوعه ، من غير شك ولا ارتياب . فإذا وقع حصل من التغير والأهوال الشديدة للعالم ، ما يزعج القلوب وتشتد له الكروب ، فتنطمس النجوم ، أي : تتناثر وتزول عن أماكنها وتنسف الجبال ، فتكون كالهباء المنثور ، وتكون هي والأرض قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا . وذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل ، وأجلت للحكم بينها وبين أممها ولهذا قال : * ( لأي يوم أجلت ) * استفهام للتعظيم والتفخيم ، والتهويل . ثم أجاب بقوله : * ( ليوم الفصل ) * ، أي : بين الخلائق ، بعضهم من بعض ، وحساب كل منهم منفردا . ثم توعد المكذب بهذا اليوم ، فقال : * ( ويل يومئذ للمكذبين ) * ، أي : يا حسرتهم وشدة عذابهم ، وسوء منقلبهم ، أخبرهم الله ، وأقسم لهم ، فلم يصدقوه ، فلذلك استحقوا العقوبة البليغة . * ( ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين ) * أي : أما أهلكنا المكذبين السابقين ، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين ، وهذه سنته السابقة واللاحقة ، في كل مجرم لا بد من عقابه ، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون ؟ * ( ويل يومئذ للمكذبين ) * بعدما شاهدوا من الآيات البينات ، والعقوبات والمثلات . * ( ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين ) * أي : أما خلقناكم أيها الآدميون * ( من ماء مهين ) * ، أي : في غاية الحقارة ، خرج من بين الصلب والترائب ، حتى جعله الله * ( في قرار مكين ) * وهو الرحم ، به يستقر وينمو . * ( إلى قدر معلوم ) * ووقت مقدر . * ( فقدرنا ) * ، أي : قدرنا ودبرنا ذلك الجنين ، في تلك الظلمات ، ونقلناه من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى أن جعله الله جسدا ، ونفخ فيه الروح ومنهم من يموت قبل ذلك . * ( فنعم القادرون ) * يعني بذلك ، نفسه المقدسة ، لأن قدره ، تابع لحكمته ، موافق للحمد . * ( ويل يومئذ للمكذبين ) * . * ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين ) * أي : أما مننا عليكم ، وأنعمنا ، بتسخير الأرض لمصالحكم ، فجعلناها * ( كفاتا ) * لكم * ( أحياء ) * في الدور * ( وأمواتا ) * في القبور ، فكما أن الدور والقصور من نعم الله على عباده ومنته ، فكذلك القبور ، رحمة في حقهم ، وستر لهم ، عن كون أجسادهم بادية للسباع وغيرها . * ( وجعلنا فيها رواسي ) * ، أي : جبالا ترسي الأرض ، لئلا تميد بأهلها ، فثبتها الله بالجبال الراسيات الشامخات ، أي : الطوال العراض . * ( وأسقيناكم ماء فراتا ) * ، أي : عذبا زلالا ، قال تعالى : * ( أفرءيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ) * . * ( ويل يومئذ للمكذبين ) * مع ما أراهم الله من النعم ، التي انفرد بها ، واختصهم بها ، فقابلوها بالتكذيب . هذا من الويل ، الذي أعد للمجرمين المكذبين ، أن يقال لهم يوم القيامة : * ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذ للمكذبين ) * * ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ) * ثم فسر ذلك بقوله : * ( انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ) * ، أي : إلى ظل نار جهنم ، التي تتمايز في