أعداء ) * ( ظاهرين ) * ( ويبسطوا إليكم أيديهم ) * بالقتل والضرب ، ونحو ذلك . * ( وألسنتهم بالسوء ) * ، أي : بالقول الذي يسوء ، من شتم وغيره . * ( وودوا لو تكفرون ) * فإن هذا غاية ما يريدون منكم . فإن احتججتم وقلتم نوالي الكفار ، لأجل القرابة والأموال * ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ) * ( من الله شيئا ) * ( يوم القيامة يفصل بينكم ، والله بما تعملون بصير ) * . فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الذين تضركم موالاتهم . * ( قد كانت لكم ) * يا معشر المؤمنين * ( أسوة حسنة ) * ، أي : قدوة صالحة وائتمام ينفعكم . * ( في إبراهيم والذين معه ) * من المؤمنين ، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا . * ( إذ قالوا لقومهم إنا برءآء منكم ومما تعبدون من دون الله ) * ، أي : إذ تبرأ إبراهيم عليه السلام ، ومن معه من المؤمنين ، من قومهم المشركين ، ومما يعبدون من دون الله . ثم صرحوا بعداوتهم غاية التصريح ، فقالوا : * ( كفرنا بكم وبدا ) * ، أي : ظهر وبان * ( بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ) * أي : البغض بالقلوب ، وزوال مودتها ، والعداوة بالأبدان ، وليس لتلك العداوة والبغضاء وقت ولا حد ، بل ذلك * ( أبدا ) * ما دمتم مستمرين على كفركم * ( حتى تؤمنوا بالله وحده ) * ، أي : فإذا آمنتم بالله وحده ، زالت العداوة والبغضاء ، وانقلبت مودة وولاية . فلكم أيها المؤمنون أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه في القيام بالإيمان والتوحيد ، ولوازم ذلك ومقتضياته ، وفي كل شيء تعبدوا به الله وحده . * ( إلا ) * في خصلة واحدة وهي * ( قول إبراهيم لأبيه ) * آزر المشرك ، الكافر المعاند ، حين دعاه إلى الإيمان والتوحيد ، فامتنع فقال إبراهيم له : * ( لأستغفرن لك ، و ) * الحال أني * ( ما أملك لك من الله من شيء ) * ، ولكني أدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا . فليس لكم أن تقتدوا بإبراهيم ، في هذه الحالة ، التي دعا بها للمشرك . فليس لكم أن تدعوا للمشركين ، وتقولوا : إنا في ذلك متبعون لملة إبراهيم ، فإن الله ذكر عذر إبراهم في ذلك بقوله : * ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعده إياه ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) * ، الآية . ولكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه ، حين دعوا الله وتوكلوا عليه وأنابوا إليه ، واعترفوا بالعجز والتقصير ، فقالوا : * ( ربنا عليك توكلنا ) * ، أي : اعتمدنا عليك في جلب ما ينفعنا ، ودفع ما يضرنا ، ووثقنا بك يا ربنا في ذلك . * ( وإليك أنبنا ) * ، أي : رجعنا إلى طاعتك ومرضاتك ، وجميع ما يقرب إليك ، فنحن في ذلك ساعون ، وبفعل الخيرات مجتهدون ، ونعلم أنا إليك نصير ، فنستعد للقدوم عليك ، ونعمل ما يزلفنا إليك . * ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) * ، أي : لا تسلطهم علينا بذنوبنا ، فيفتنونا ، ويمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان ، ويفتنون أيضا بأنفسهم ، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة ، ظنوا أنهم على الحق ، وأنا على الباطل ، فازدادوا كفرا وطغيانا . * ( واغفر لنا ) * ما اقترفنا من الذنوب والسيئات ، وما قصرنا به من المأمورات . * ( ربنا إنك أنت العزيز ) * القاهر لكل شيء . * ( الحكيم ) * الذي يضع الأشياء مواضعها ، فبعزتك وحكمتك انصرنا على أعدائنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، وأصلح عيوبنا . ثم كرر الحث على الاقتداء بهم ، قال : * ( لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ) * . وليس كل أحد ، تسهل عليه هذه الأسوة ، وإنما تسهل * ( لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) * فإن الإيمان ، واحتساب الأجر والثواب ، يسهل على العبد كل عسير ، ويقلل لديه كل كثير ، ويوجب له الاقتداء بعباد الله الصالحين ، والأنبياء والمرسلين ، فإنه يرى نفسه مفتقرا مضطرا إلى ذلك غاية الاضطرار . * ( ومن يتول ) * عن طاعة الله والتأسي برسل الله ، فلن يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئا . * ( فإن الله هو الغني ) * الذي له الغنى التام المطلق ، من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه بوجه من الوجوه . * ( الحميد ) * في ذاته وصفاته وأفعاله ، فإنه محمود على ذلك كله . ثم أخبر تعالى أن هذه العداوة ، التي أمر بها المؤمنين للمشركين ، ووصفهم بالقيام بها أنهم ما داموا على شركهم وكفرهم ، وأنهم إن انتقلوا إلى الإيمان ، فإن الحكم يدور مع علته ، والمودة الإيمانية ترجع . فلا تيأسوا أيها المؤمنون من رجوعهم إلى الإيمان . ف * ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) * سببها رجوعهم إلى الإيمان . * ( والله قدير ) * على كل شيء ، ومن ذلك ، هداية القلوب ، وتقليبها من حال إلى حال . * ( والله غفور رحيم ) * لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، ولا عيب أن يستره ، * ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) * . وفي هذه الآية إشارة وبشارة بإسلام بعض المشركين ، الذين كانوا إذ ذاك أعداء للمؤمنين ، وقد وقع ذلك ، ولله الحمد والمنة . ولما نزلت هذه الآيات الكريمات ، المهيجة على عداوة الكافرين ، وقعت من المؤمنين كل موقع ، وقاموا بها أتم القيام ، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه . فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم ، فقال : * ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب