من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنآ إنك أنت العزيز الحكيم * لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد * عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم * لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأول ئك هم الظالمون ) * ذكر كثير من المفسرين ، رحمهم الله ، أن سبب نزول هذه الآيات الكريمات في قصة حاطب بن أبي بلتعة ، حين غزا النبي صلى الله عليه وسلم غزاة الفتح . فكتب حاطب إلى المشركين من أهل مكة ، يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، ليتخذ بذلك يدا عندهم ، لا شكا ونفاقا ، وأرسله مع امرأة . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه ، فأرسل إلى المرأة قبل وصولها وأخذ منها الكتاب . وعاتب حاطبا ، فاعتذر بعذر ، قبله النبي صلى الله عليه وسلم . وهذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم ، وإلقاء المودة إليهم ، وأن ذلك مناف للإيمان ، ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو ، والذي لا يبقى من مجهوده في العداوة شيئا ، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه ، فقال تعالى : * ( يا أيها الذين آمنوا ) * ، أي : اعملوا بمقتضى إيمانكم ، من ولاية من قام بالإيمان ، ومعاداة من عاداه ، فإنه عدو لله ، وعدو للمؤمنين . * ( لا تتخذوا عدوي ) * ( عدو الله ) * ( وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) * ، أي : تسارعون في مودتهم ، والسعي في أسبابها ، فإن المودة إذا حصلت ، تبعتها النصرة والموالاة ، فخرج العبد من الإيمان ، وصار من جملة أهل الكفران . وهذا المتخذ للكافر وليا ، عادم المروءة أيضا ، فإنه كيف يوالي أعدى أعدائه ، الذي لا يريد له إلا الشر ، ويخالف ربه ووليه ، الذي يريد به الخير ، ويأمره به ، ويحثه عليه ؟ ومما يدعو المؤمن أيضا إلى معاداة الكفار ، أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحق ، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة ، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم ، وزعموا أنكم ضلال ، على غير هدى . والحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية ، ومن رد الحق ، فمحال أن يوجد له دليل أو حجة ، تدل على صحة قوله ، بل مجرد العلم بالحق ، يدل على بطلان قول من رده وفساده . ومن عداوتهم البليغة أنهم * ( يخرجون الرسول وإياكم ) * أيها المؤمنون من دياركم ، ويشردونكم من أوطانكم . ولا ذنب لكم في ذلك عندهم ، إلا * ( أن تؤمنوا بالله ربكم ) * الذي يتعين على الخلق كلهم ، القيام بعبوديته ، لأنه رباهم ، وأنعم عليهم ، بالنعم الظاهرة والباطنة . فلما أعرضوا عن هذا الأمر ، الذي هو أوجب الواجبات ، وقمتم به ، عادوكم ، وأخرجوكم من أجله من دياركم . فأي دين ، وأي مروءة وعقل ، يبقى مع العبد إذا والى الكفار ، الذين هذا وصفهم ، في كل زمان أو مكان ؟ ولا يمنعهم منه إلا خوف ، أو مانع قوي . * ( إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ) * ، أي : إن كان خروجكم ، مقصودكم به الجهاد في سبيل الله ، لإعلاء كلمة الله ، وابتغاء رضاه ، فاعملوا بمقتضى هذا ، من موالاة أولياء الله ، ومعاداة أعدائه ، فإن هذا من أعظم الجهاد في سبيله ، ومن أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى الله ، ويتبغون به رضاه . * ( تسرون إليهم بالمودة ، وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ) * ، أي : كيف تسرون المودة للكافرين ، وتخفونها ، مع علمكم أن الله عالم بما تخفون ، وما تعلنون ؟ ، فهو وإن خفي على المؤمنين ، فلا يخفى على الله تعالى ، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم ، من الخير والشر . * ( ومن يفعله منكم ) * ، أي : موالاة الكافرين بعدما حذركم الله منها * ( فقد ضل سواء السبيل ) * ، لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع وللعقل ، والمروءة الإنسانية . ثم بين تعالى شدة عداوتهم ، تهييجا للمؤمنين على عداوتهم ، فقال : * ( إن يثقفوكم ) * ، أي : يجدوكم ، وتسنح لهم الفرصة في أذاكم . * ( يكونوا لكم