عليه النشأة الأخرى * وأنه هو أغنى وأقنى * وأنه هو رب الشعرى * وأنه أهلك عادا الأولى * وثمود فمآ أبقى * وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى * والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى * ه ذا نذير من النذر الأولى * أزفت الآزفة * ليس لها من دون الله كاشفة * أفمن ه ذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وأنتم سامدون * فاسجدوا لله واعبدوا ) * يقول تعالى : * ( أفرأيت ) * قبح حالة من أمر بعبادة ربه وتوحيده ، فتولى عن ذلك ، وأعرض عنه ؟ فإن سمحت نفسه ببعض الشيء القليل ، فإنه لا يستمر عليه ، بل يبخل ويكدى ويمنع . فإن الإحسان ليس سجية له وطبعا ، بل طبعه التولي عن الطاعة ، وعدم الثبوت على فعل المعروف ، ومع هذا ، فهو يزكي نفسه ، وينزلها غير منزلتها ، التي أنزلها الله بها . * ( أعنده علم الغيب فهو يرى ) * الغيب ، فيخبر به ، أم هو متقول على الله ، متجرىء عليه ، جامع بين المحذورين ، الإساءة والتزكية ، كما هو الواقع ، لأنه قد علم أنه ليس عنده علم من الغيب ، وأنه لو قدر أنه ادعى ذلك ، فالإخبارات القاطعة عن علم الغيب ، التي على يد النبي المعصوم تدل على نقيض قوله ، وذلك دليل على بطلانه . * ( أم لم ينبأ ) * هذا المدعي * ( بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى ) * . أي : قام بجميع ما ابتلاه الله به ، وأمره به ، من الشرائع ، وأصول الدين وفروعه . وفي تلك الصحف ، أحكام كثيرة ، من أهمها ما ذكره الله بقوله : * ( أن لا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) * ، أي : كل عامل ، له عمله الحسن والسيىء ، فليس له من عمل غيره وسعيه شيء ، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا . * ( وأن سعيه سوف يرى ) * في الآخرة فيميز حسنه من سيئه . * ( ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) * ، أي : المستكمل لجميع العمل : الحسن الخالص بالحسنى ، والسيىء الخالص بالسوأى ، والمشوب بحسبه . جزاء تقر بعدله وإحسانه الخليقة كلها ، وتحمد الله عليه ، حتى إن أهل النار ليدخلون النار ، وإن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم ، والإقرار له بكمال الحكمة ومقت أنفسهم ، وأنهم الذي أوصلوا أنفسهم ، وأوردوها شر الموارد . وقد استدل بقوله : * ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) * ، فوصول سعي غيره إليه ، مناف لذلك ، وفي هذا الاستدلال نظر ، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه ، وهذا حق لا خلاف فيه ، وليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره ، إذا أهداه ذلك الغير إليه ، كما أنه ليس للإنسان من المال ، إلا ما هو في ملكه وتحت يده ، ولا يلزم من ذلك ، أن لا يملك ما وهبه الغير له ، من ماله الذي يملكه . وقوله : * ( وأن إلى ربك المنتهى ) * ، أي : إليه تنتهي الأمور ، وإليه تصير الأشياء والخلائق ، بالبعث والنشور ، وإلى الله المنتهى في كل حال ، فإليه ينتهي العلم ، والحكمة ، والرحمة ، وسائر الكمالات . * ( وأنه هو أضحك وأبكى ) * ، أي : هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء ، وهو الخير والشر ، والفرح والسرور ، والهم والحزن ، وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك . * ( وأنه هو أمات وأحيا ) * ، أي : هو المنفرد بالإيجاد والإعدام ، والذي أوجد الخلق ، وأمرهم ونهاهم ، سيعيدهم بعد موتهم ، ويجازيهم بتلك الأعمال التي عملوها في دار الدنيا . * ( وأنه خلق الزوجين ) * فسرهما بقوله : * ( الذكر والأنثى ) * ، وهذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات ، ناطقها وبهيمها ، فهو المنفرد بخلقها . * ( من نطفة إذا تمنى ) * وهذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته وانفراده بالعزة العظيمة ، حيث أوجد تلك الحيوانات ، صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين ، ثم نماها وكملها ، حتى بلغت ما بلغت ، ثم صار الآدمي منها ، وإما إلى أرفع المقامات في أعلى عليين ، وإما إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين . ولهذا استدل بالبداءة على الإعادة ، فقال : * ( وأن عليه النشأة الأخرى ) * فيعيد العباد من الأجداث ، ويجمعهم ليوم الميقات ، ويجازيهم على الحسنات والسيئات . * ( وأنه هو أغنى وأقنى ) * ، أي : أغنى العباد بتيسير أمر معاشهم من التجارات ، وأنواع المكاسب ، من الحرف وغيرها ، وأقنى ، أي : أفاد عباده من الأموال ، بجميع أنواعها ، ما يصيرون به مقتنين لها ، ومالكين لكثير من الأعيان ، وهذا من نعمه تعالى أن أخبرهم أن جميع النعم منه ، وهذا يوجب على العبادة أن يشكروه ، ويعبدوه وحده لا شريك له . * ( وأنه هو رب الشعرى ) * وهو النجم المعروف بالشعرى العبور ، المسماة بالمرزم ، وخصها الله بالذكر ، وإن كان هو رب كل شيء ، لأن هذا النجم مما عبد في الجاهلية ، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبد المشركون ، مربوب مدبر مخلوق ، فكيف يتخذ مع الله آلهة . * ( وأنه أهلك عادا الأولى ) * وهم قوم هود عليه السلام ، حين كذبوا