* ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) * . * ( أم هم المسيطرون ) * ، أي : المتسلطون على خلق الله وملكه ، بالقهر والغلبة ؟ ليس الأمر كذلك ، بل هم العاجزون الفقراء . * ( أم لهم سلم يستمعون فيه ) * ، أي : ألهم اطلاع على الغيب ، واستماع له بين الملأ ، فيخبرون عن أمور لا يعلمها غيرهم ؟ * ( فليأت مستمعهم ) * المدعي لذلك * ( بسلطان مبين ) * ، وأنى له ذلك ؟ والله تعالى عالم الغيب والشهادة ، فلا يظهر على غيبه أحدا ، إلا من ارتضى من رسول يخبره بما أراد من علمه . وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو أفضل الرسل ، وأعلمهم وإمامهم ، وهو المخبر بما أخبر به ، من توحيد الله ، ووعيده ، وغير ذلك من أخباره الصادقة لا يعلم إلا ما علمه الله ، والمكذبون هم أهل الجهل والضلال ، والغي والعناد . فأي المخبرين أحق بقبول خبره ؟ خصوصا والرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام من الأدلة والبراهين ، على ما أخبر به ، ما يوجب أن يكون ذلك عين اليقين ، وأكمل الصدق ، وهم لم يقيموا على ما ادعوه شبهة ، فضلا عن إقامة حجة . وقوله : * ( أم له البنات ) * كما زعمتم * ( ولكم البنون ) * فتجمعون بين المحذورين ؟ جعلكم له الولد ، واختياركم له أنقص الصنفين ؟ فهل بعد هذا التنقص لرب العالمين ، غاية أو دونه نهاية ؟ * ( أم تسألهم ) * يا أيها الرسول * ( أجرا ) * على تبليغ الرسالة . * ( فهم من مغرم مثقلون ) * . ليس الأمر كذلك ، بل أنت الحريص على تعليمهم ، تبرعا من غير شيء ، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة ، على قبول رسالتك ، والاستجابة لأمرك ودعوتك ، وتعطي المؤلفة قلوبهم ، ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم . * ( أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) * ما كانوا يعلمونه من الغيوب ، فيكونون قد اطلعوا على ما لم يطلع عليه رسول الله ، فعارضوه ، وعاندوه بما عندهم من الغيب ؟ وقد علم أنهم هم الأمة الأمية ، الجهال الضالون . ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي عنده من العلم أعظم من غيره ، وأنبأه الله من علم الغيب على ما لم يطلع عليه أحد من الخلق ، وهذا كله إلزام لهم ، بالطرق العقلية والنقلية ، على فساد قولهم ، وتصوير بطلانه بأحسن الطرق وأوضحها ، وأسلمها من الاعتراض . وقوله : * ( أم يريدون ) * بقدحهم فيك ، وفيما جئت به * ( كيدا ) * يبطلون به دينك ، ويفسدون به أمرك ؟ * ( فالذين كفروا هم المكيدون ) * ، أي : كيدهم في نحورهم ، ومضرته عائدة إليهم ، وقد فعل الله ذلك ولله الحمد فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا ، إلا فعلوه ، فنصر الله نبيه عليهم ، وأظهر دينه ، وخذلهم ، وانتصر عليهم . * ( أم لهم إله غير الله ) * ، أي : ألهم إله يدعى ويرجى نفعه ، ويخاف من ضره ، غير الله تعالى ؟ * ( سبحان الله عما يشركون ) * فليس له شريك في الملك ، ولا شريك في الوحدانية والعبادة . وهذا هو المقصود من الكلام الذي سيق لأجله ، وهو بطلان عبادة ما سوى الله ، وبيان فسادها ، بتلك الأدلة القاطعة . وأن ما عليه المشركون هو الباطل ، وأن الذي ينبغي أن يعبد ويصلى له ويسجد ، ويخلص له دعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، هو الله المألوه المعبود ، كامل الأسماء والصفات ، كثير النعوت الحسنة ، والأفعال الجميلة ، ذو الجلال والإكرام ، والعز الذي لا يرام ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الكبير الحميد المجيد . * ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون ) * يقول تعالى في ذكر بيان أن المشركين المكذبين بالحق الواضح ، قد عتوا عن الحق ، وعسوا على الباطل ، وأنه لو قام على الحق كل دليل لما اتبعوه ، ولخالفوه وعاندوا . * ( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا ) * ، أي : لو سقط عليهم من السماء من الآيات الباهرة ، كسف ، أي : قطع كبار من العذاب * ( يقولوا سحاب مركوم ) * ، أي : هذا سحاب متراكم على العادة . أي : فلا يبالون بما رأوا من الآيات ، ولا يعتبرون بها . وهؤلاء لا دواء لهم ، إلا العذاب والنكال ، ولهذا قال : * ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه