خشية الله في حال غيبه ، أي : مغيبه عن أعين الناس ، وهذه هي الخشية الحقيقية . وأما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم ، فقد تكون رياء وسمعة ، فلا تدل على الخشية ، وإنما الخشية النافعة ، خشيته في الغيب والشهادة . * ( وجاء بقلب منيب ) * ، أي : وصفه الإنابة إلى مولاه ، وانجذاب دواعيه إلى مراضيه . ويقال لهؤلاء الأتقياء الأبرار : * ( ادخلوها بسلام ) * ، أي : دخولا مقرونا بالسلامة من الآفات والشرور ، مأمونا فيه جميع مكاره الأمور ، فلا انقطاع لنعيمهم ، ولا كدر ، ولا تنغيص . * ( ذلك يوم الخلود ) * الذي لا زوال له ولا موت ، ولا شيء من المكدرات . * ( ولهم ما يشاءون فيها ) * ، أي : كل ما تعلقت به مشيئتهم ، فهو حاصل فيها . * ( ولدينا ) * فوق ذلك * ( مزيد ) * ، أي : ثواب يمدهم به الرحمن الرحيم ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وأعظم ذلك وأجله وأفضله ، النظر إلى وجهه الكريم ، والتمتع بسماع كلامه ، والتنعم بقربه ، فنسأله ذلك من فضله . * ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) * يقول تعالى مخوفا للمشركين المكذبين للرسول : * ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن ) * ، أي : أمما كثيرة * ( هم أشد منهم بطشا ) * ، أي : قوة وآثارا في الأرض . ولهذا قال : * ( فنقبوا في البلاد ) * ، أي : بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة ، وغرسوا الأشجار ، وأجروا الأنهار ، وزرعوا ، وعمروا ، ودمروا . فلما كذبوا رسل الله ، وجحدوا آياته ، أخذهم الله بالعقاب الأليم ، والعذاب الشديد . * ( هل من محيص ) * ، أي : لا مفر لهم من عذاب الله ، حين نزل بهم ، ولا منقذ ، فلم تغن عنهم قوتهم ، ولا أموالهم ، ولا أولادهم . * ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) * ، أي : قلب عظيم حي ، ذكي ، زكي ، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله ، تذكر بها ، وانتفع ، فارتفع . وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله ، واستمعها ، استماعا يسترشد به ، وقلبه * ( شهيد ) * ، أي : حاضر ، فهذا أيضا له ذكرى وموعظة ، وشفاء وهدى . وأما المعرض ، الذي لم يصغ سمعه إلى الآيات ، فهذا لا تفيده شيئا ، لأنه لا قبول عنده ، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا نعته . * ( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ) * وهذا إخبار منه تعالى عن قدرته العظيمة ، ومشيئته النافذة ، التي أوجد بها أعظم المخلوقات * ( السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) * ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة ، من غير تعب ولا نصب ، ولا لغوب ، ولا إعياء . فالذي أوجدها على كبرها وعظمها قدر على إحياء الموتى ، من باب أولى وأحرى . * ( فاصبر على ما يقولون ) * من الذم لك والتكذيب بما جئت به ، واشتغل عنهم بطاعة ربك وتسبيحه ، أول النهار وآخره ، في أوقات الليل ، وأدبار الصلوات . فإن ذكر الله تعالى مسل للنفس ، مؤنس لها ، مهون للصبر . * ( واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب * يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج * إنا نحن نحي ي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير * نحن أعلم بما يقولون ومآ أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) * أي : * ( واستمع ) * بقلبك * ( يوم يناد المنادي ) * وهو إسرافيل عليه السلام ، أي : حين ينفخ في الصور * ( من مكان قريب ) * من الأرض . * ( يوم يسمعون ) * تلك * ( الصيحة ) * المزعجة المهولة * ( بالحق ) * الذي لا شك فيه ولا امتراء . * ( ذلك يوم الخروج ) * من القبور ، الذي انفرد به القادر عل كل شيء ، ولهذا قال : * ( إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق الأرض