يحار الطرف في حسنهن ، وينبهر العقل بجمالهن ، وينخلب اللب لكمالهن * ( عين ) * ، أي : واسعات الأعين ، حسانها . * ( يدعون فيها ) * ، أي : الجنة * ( بكل فاكهة ) * مما له اسم في الدنيا ، ومما لا يوجد له اسم ، ولا نظير في الدنيا . فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة وأجناسها ، أحضر لهم في الحال ، من غير تعب ولا كلفة ، * ( أمنين ) * من انقطاع ذلك ، وآمنين من مضرته ، وآمنين من كل مكدر ، وآمنين من الخروج منها والموت ، ولهذا قال : * ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) * ، أي : ليس فيها موت بالكلية . ولو كان فيها موت يستثنى ، لم يستثن الموتة الأولى ، التي هي الموتة في الدنيا ، فتم لهم كل محبوب مطلوب ، * ( ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ) * ، أي : حصول النعيم واندفاع العذاب عنهم ، من فضل الله عليهم وكرمه ، فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة ، التي بها نالوا خير الآخرة ، وأعطاهم أيضا ، ما لم تبلغه أعمالهم . * ( ذلك هو الفوز العظيم ) * ، وأي فوز أعظم من نيل رضوان الله وجنته ، والسلامة من عذابه وسخطه ؟ * ( فإنما يسرناه ) * ، أي : القرآن * ( بلسانك ) * ، الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها ، فتيسر به لفظه ، وتيسر به معناه . * ( لعلهم يتذكرون ) * ما فيه نفعهم فيفعلونه ، وما فيه ضررهم فيتركونه . * ( فارتقب ) * ، أي انتظر ما وعدك ربك ، من الخير والنصر * ( إنهم مرتقبون ) * ما يحل بهم من العذاب ، وفرق بين الارتقابين : رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدنيا والآخرة . وضدهم ، يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة . سورة الجاثية * ( حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دآبة آيات لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار ومآ أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون * ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم * وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أول ئك لهم عذاب مهين * من ورآئهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم * ه ذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ) * يخبر تعالى خبرا ، يتضمن الأمر بتعظيم القرآن ، والاعتناء به ، وأنه * ( تنزيل ) * ، * ( من الله ) * المألوه المعبود ، لما اتصف به من صفات الكمال ، وانفرد به من النعم ، الذي له العزة الكاملة والحكمة التامة . ثم أيد ذلك بما ذكره من الآيات الأفقية والنفسية ، من خلق السماوات والأرض ، وما بث فيهما من الدواب ، وما أودع فيهما من المنافع ، وما أنزل الله من الماء ، الذي يحيي به الله البلاد والعباد . فهذه كلها آيات بينات ، وأدلة واضحات ، على صدق هذا القرآن العظيم ، وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والأحكام ، ودالات أيضا على ما لله تعالى من الكمال ، وعلى البعث والنشور . ثم قسم تعالى الناس ، بالنسبة إلى الانتفاع بآياته وعدمه ، إلى قسمين : قسم يستدلون بها ، ويتفكرون بها ، وينتفعون فيرتفعون وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إيمانا تاما ، وصل بهم إلى درجة اليقين ، فزكى منهم العقول ، وازدادت به معارفهم وألبابهم وعلومهم . وقسم يسمع آيات الله سماعا تقوم به الحجة عليهم ، ثم يعرض عنها ، ويستكبر كأنه ما سمعها ، لأنها لم تزك قلبه ، ولا طهرته ، بل بسبب استكباره عنها ، ازداد طغيانه . وأنه إذا علم من آيات الله شيئا ، اتخذها هزوا ، فتوعده الله تعالى بالويل فقال : * ( ويل لكل أفاك أثيم ) * ، أي : كذاب في مقاله ، أثيم في فعاله . وأخبر أن له عذابا أليما ، وأن * ( من ورائهم جهنم ) * تكفي في عقوبتهم البليغة . وأنه * ( لا يغني عنهم ما كسبوا ) * من الأمول * ( شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ) * يستنصرون بهم فخذلوهم ، أحوج ما كانوا إليهم لو نفعوا . فلما بين آياته القرآنية والعيانية ، وأن الناس فيها على قسمين ، أخبر عن القرآن المشتمل على هذه المطالب العالية ، أنه هدى ، فقال : * ( هذا هدى ) * وهو وصف عام لجميع القرآن ، فإنه يهدي إلى معرفة الله تعالى ، بصفاته المقدسة ، وأفعاله الحميدة . ويهدي إلى معرفة رسله ، وأوليائهم ، وأعدائهم ، وأوصافهم ، ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها ، ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها ، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال ، ويبين الجزاء الدنيوي والأخروي ، فالمهتدون اهتدوا به ، فأفلحوا وسعدوا . * ( والذين كفروا