عليه ، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه . * ( وسوف تسألون ) * عنه ، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم ، أم لم تقوموا به ؟ فيكون حجة عليكم ، وكفرا منكم بهذه النعمة . * ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) * حتى يكون للمشركين نوع حجة ، يتبعون فيها أحدا من الرسل . فإنك لو سألتهم ، واستخبرت عن أحوالهم ، لم تجد أحدا منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع الله ، وأن كل الرسل ، من أولهم إلى آخرهم ، يدعون إلى عبادة الله ، وحده لا شريك له . قال تعالى : * ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) * ولك رسول بعثه الله ، يقول لقومه : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . فدل هذا ، أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم ، لا من عقل صحيح ، ولا نقل عن الرسل . لما قال تعالى : * ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) * بين تعالى حال موسى ودعوته ، التي هي أشهر ما يكون من دعوات الرسل ، ولأن الله تعالى ، أكثر من ذكرها في كتابه ، فذكر حاله مع فرعون . * ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنآ إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين * فلما جاءهم بآياتنآ إذا هم منها يضحكون * وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون * وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون * فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون * ونادى فرعون في قومه قال يقوم أليس لي ملك مصر وه ذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون * أم أنآ خير من ه ذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين * فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين * فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ) * * ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) * التي دلت دلالة قاطعة على صحة ما جاء به ، كالعصا ، والحية ، وإرسال الجراد ، والقمل ، إلى آخر الآيات . * ( إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين ) * فدعاهم إلى الإقرار بربهم ، ونهاهم عن عبادة ما سواه . * ( فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ) * أي : ردوها وأنكروها ، واستهزأوا بها ، ظلما وعلوا . فلم يكن لقصور بالآيات وعدم وضوح فيها ، ولهذا قال : * ( وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ) * أي : الآية المتأخرة أعظم من السابقة * ( وأخذناهم بالعذاب ) * كالجراد ، والقمل والضفادع ، والدم ، آيات مفصلات . * ( لعلهم يرجعون ) * إلى الإسلام ، ويذعنون له ، ليزول شركهم وشرهم . * ( وقالوا ) * عندما نزل عليهم العذاب : * ( يا أيها الساحر ) * يعنون موسى عليه السلام . وهذا ، إما من باب التهكم به ، وإما أن يكون هذا الخطاب عندهم ، مدحا ، فتضرعوا إليه بأن خاطبوه ، بما يخاطبون من يزعمون أنهم علماؤهم ، وهم السحرة فقالوا : * ( يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك ) * أي : بما خصك الله به ، وفضلك به ، من الفضائل والمناقب ، أن يكشف عنا العذاب * ( إننا لمهتدون ) * إن كشف الله عنا ذلك . * ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ) * أي : لم يفوا بما قالوا ، بل غدروا ، واستمروا على كفرهم . وهذا كقوله تعالى : * ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين * ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل * فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) * . * ( ونادى فرعون في قومه قال ) * مستعليا بباطله ، قد غره ملكه ، وأطغاه ماله وجنوده : * ( يا قوم أليس لي ملك مصر ) * أي : ألست المالك لذلك ، المتصرف فيه . * ( وهذه الأنهار تجري من تحتي ) * أي : الأنهار المنسحبة من النيل ، في وسط القصور والبساتين . * ( أفلا تبصرون ) * هذا الملك الطويل العريض . وهذا من جهله البليغ ، حيث افتخر بأمر خارج عن ذاته ، ولم يفخر بأوصاف حميدة ، ولا أفعال سديدة . * ( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ) * يعني قبحة الله بالمهين ، موسى بن عمران ، كليم الرحمن ، الوجيه عند الله . أي : أنا العزيز ، وهو الذليل المهان المحتقر ، فأينا خير ؟ * ( و ) * مع هذا فإنه * ( لا يكاد يبين ) * عما في ضميره بالكلام ، لأنه ليس بفصيح اللسان . وهذا ليس من العيوب في شيء ، إذا كان يبين ما في قلبه ، ولو كان الكلام ثقيلا عليه . ثم قال فرعون : * ( فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ) * أي : فهلا كان موسى بهذه الحالة ، أن يكون مزينا مجملا بالحلي والأساور ؟ * ( أو جاء معه الملائكة مقترنين ) * يعاونونه على دعوته ، ويؤيدونه على قوله . * ( فاستخف قومه فأطاعوه ) * أي : استخف فرعون عقولهم ، بما أبدي لهم من هذه الشبه ، التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا حقيقة تحتها ، وليست دليلا على حق ولا على باطل ، ولا تروج إلا على ضعفاء العقول . فأي دليل ، يدل على أن فرعون محق ، في كون ملك مصر له ، وأنهارها تجري من تحته ؟ وأي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى ، لقلة أتباعه ، وثقل لسانه ، وعدم تحلية أمه له بأساور من ذهب ؟ ولكن فرعون لقي ملأ لا معقول عندهم ، فمهما قال اتبعوه ، من حق وباطل . * ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) * فبسبب فسقهم ، قيض لهم