responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي    جلد : 1  صفحه : 283


الأعلى ، وذلك لأن السجود أكثر تواضعاً من الركوع ، لا جرم الذكر المذكور في السجود هو بناء المبالغة - وهو الأعلى - والذكر المذكور في الركوع هو لفظ العظيم من غير بناء المبالغة ، روي أن لله تعالى ملكاً تحت العرش اسمه حزقيل أوحى الله إليه : أيها الملك ، طر فطار مقدار ثلاثين ألف سنة ثم ثلاثين ثم ثلاثين فلم يبلغ من أحد طرفي العرش إلى الثاني ، فأوحى الله إليه لو طرت إلى نفخ الصور لم تبلغ الطرف الثاني من العرش ، فقال الملك عند ذلك : سبحان ربي الأعلى .
فإن قيل : فما الحكمة في السجدتين ؟ قلنا : فيه وجوه : الأول : أن السجدة الأولى للأزل ، والثانية للأبد ، والارتفاع فيما بينهما إشارة إلى وجود الدنيا فيما بين الأزل والأبد ، وذلك لأنك تعرف بأزليته أنه هو الأول لا أول قبله فتسجد له ، وتعرف بأبديته أنه الآخر لا آخر بعده فتسجد له ثانياً . الثاني : قيل : إعلم بالسجدة الأولى فناء الدنيا في الآخرة ، وبالسجدة الثانية فناء عالم الآخرة عند ظهور نور جلال الله . الثالث : السجدة الأولى فناء الكل في نفسها والسجدة الثانية بقاء الكل بإبقاء الله تعالى : * ( كل شيء هالك إلا وجهه ) * . ( القصص : 88 ) الرابع : السجدة الأولى تدل على انقياد عالم الشهادة لقدرة الله ، والسجدة الثانية تدل على انقياد عالم الأرواح لله تعالى ، كما قال : * ( ألا له الخلق والأمر ) * . ( الأعراف : 54 ) والخامس : السجدة الأولى سجدة الشكر بمقدار ما أعطانا من معرفة ذاته وصفاته ، والسجدة الثانية سجدة العجز والخوف مما لم يصل إليه من أداء حقوق جلاله وكبريائه .
واعلم أن الناس يفهمون من العظمة كبر الجثة ، ويفهمون من العلو علو الجهة ، ويفهمون من الكبر طول المدة ، وجل الحق سبحانه عن هذه الأوهام ، فهو عظيم لا بالجثة ، عالٍ لا بالجهة ، كبير لا بالمدة ، وكيف يقال ذلك وهو فرد أحد ، فكيف يكون عظيماً بالجثة وهو منزه عن الحجمية ، وكيف يكون عالياً بالجهة وهو منزه عن الجهة ؟ وكيف يكون كبيراً بالمدة والمدة متغيرة من ساعة إلى ساعة فهي محدثة فمحدثها موجود قبلها فكيف يكون كبيراً بالمدة ؟ فهو تعالى عالٍ على المكان لا بالمكان ، وسابق على الزمان لا بالزمان ، فكبرياؤه كبرياء عظمة ، وعظمته عظمة علو ، وعلوه علو جلال ، فهو أجل من أن يشابه المحسوسات ، ويناسب المخيلات ، وهو أكبر مما يتوهمه المتوهمون ، وأعظم مما يصفه الواصفون ، وأعلى مما يجده الممجدون ، فإذا صور لك حسك مثالاً : فقل الله أكبر ، وإذا عين خيالك صورة فقل : سبحانك الله وبحمدك ، وإذا زلق رجل طلبك في مهواة التعطيل فقل : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ، وإذا جال روحك في ميادين العزة والجلال ثم ترقى إلى الصفات

نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي    جلد : 1  صفحه : 283
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست