نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 249
جائز لان قوله إياك نعبد دخل فيه عبادات الملائكة وعبادات الأنبياء والأولياء ، وإما أن يقبل الكل ، وحينئذ تصير عبادة هذا القائل مقبولة ببركة قبول عبادة غيره ، والتقدير كأن العبد يقول : إلهي ان لم تكن عبادتي مقبولة فلا تردني لأني لست بوحيد في هذه العبادة بل نحن كثيرون فان لم أستحق بالإجابة والقبول فأتشفع إليك بعبادات سائر المتعبدين فأجبني . الفائدة الخامسة : اعلم أن من عرف فوائد العبادة طاب له الاشتغال بها ، وثقل عليه الاشتغال بغيرها ، وبيانه من وجوه : الأول أن الكمال محبوب بالذات ، وأكمل أحوال الانسان وأقواها في كونها سعادة اشتغاله بعبادة الله ، فإنه يستنير قلبه بنور الإلهية ، ويتشرف لسانه بشرف الذكر والقراءة ، وتتجمل أعضاؤه بجمال خدمة الله ، وهذه الأحوال أشرف المراتب الانسانية والدرجات البشرية ، فإذا كان حصول هذه الأحوال أعظم السعادات الانسانية في الحال ، وهي موجبة أيضا لأكمل السعادات في الزمان المستقبل ، فمن وقف على هذه الأحوال زال عنه ثقل الطاعات وعظمت حلاوتها في قلبه . الثاني : أن العبادة أمانة بدليل قوله تعالى ( انا عرضنا الأمانة على السماوات _ الآية ) وأداء الأمانة واجب عقلا وشرعا ، بدليل قوله ( ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) وأداء الأمانة صفة من صفات الكمال محبوبة بالذات ، ولأن أداء الأمانة من أحد الجانبين سبب لأداء الأمانة من الجانب الثاني : قال بعض الصحابة : رأيت أعرابيا أتى باب المسجد فنزل عن ناقته وتركها ودخل المسجد وصلى بالسكينة والوقار ودعا بما شاء ، فزدنا تعجبا ، فلما خرج لم يجد ناقته فقال : إلهي أديت أمانتك فأين أمانتي ؟ قال الراوي فزدنا تعجبا ، فلم يمكث حتى جاء رجل على ناقته وقد قطع يده وسلم الناقة إليه ، والنكتة أنه لما حفظ أمانة الله حفظ الله أمانته ، وهو المراد من قوله عليه السلام لابن عباس : يا غلام احفظ الله في الخلوات يحفظك في الفلوات . الثالث : أن الاشتغال بالعبادة انتقال من عالم الغرور إلى عالم السرور ، ومن الاشتغال بالخلق إلى حضرة الحق ، وذلك يوجب كمال اللذة والبهجة : يحكى عن أبى حنيفة أن حية سقطت من السقف ، وتفرق الناس ، وكان أبو حنيفة في الصلاة ولم يشعر بها ، ووقعت الآكلة في بعض أعضاء عروة بن الزبير ، واحتاجوا إلى قطع ذلك العضو ، فلما شرع في الصلاة قطعوا منه ذلك العضو فلم يشعر عروة بذلك القطع ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان حين يشرع في الصلاة كانوا يسمعون من صدره ، أزيزا كأزيز المرجل ، ومن استبعد هذا فليقرأ قوله تعالى ( فلما رأينه أكبرته وقطعن أيديهن ) فان النسوة لما غلب على قلوبهن جمال يوسف
نام کتاب : تفسير الرازي نویسنده : فخر الدين الرازي جلد : 1 صفحه : 249