فالإطلاق في الحديث - بفرض التسليم بصحّته - في حقّ الأصحاب مقيّد بما إذا لم يرتدّوا ، أو يحدِثوا في الدين ; فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أحاديث صحيحة أخرجها أصحاب الصحاح : " ليردنّ علَيَّ الحوض غداً رجال من أصحابي ثمّ ليختلجنّ عن الحوض ، فأقول : يا ربّ ! أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا من بعدك . فأقول : سحقاً سحقاً . . . " ( 1 ) ، فيكون المعنى : خير القرون قرني ما لم يرتدّ أهله من بعدي ويحدِثوا في الدين . وما ذكرناه هنا قد استفاده أيضاً الشارحون لهذا الحديث الشريف ; قال القرطبي في تفسيره : الجامع لأحكام القرآن نقلا عن ابن عبد البرّ : " خير الناس قرني " ليس على عمومه ; بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول ، وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين والمظهرين للإيمان وأهل الكبائر الّذين أُقيمت عليهم وعلى بعضهم الحدود ( 2 ) . وأقول : بل جاء عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما ينافي استفادة الخيرية للقرون الثلاثة المدّعاة . . ففي حديث يرويه أصحاب السُنن عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير ملكاً عضوضاً " ( 3 ) ; قال ابن الأثير في النهاية في
1 - صحيح البخاري 7 / 206 و 208 و 8 / 78 ، صحيح مسلم 1 / 150 و 7 / 66 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 4 / 78 ، مسند أحمد 2 / 300 و 408 و 3 / 28 ، و 5 / 333 و 339 . 2 - الجامع لأحكام القرآن - للقرطبي - 4 / 171 . 3 - فتح الباري 8 / 618 ; قال ابن حجر العسقلاني : أخرجه أحمد وأصحاب السُنن وصحّحه ابن حبّان وغيره . انتهى .