فارتفع أمرهما إلى معاوية وأقام الدمشقي خمسين رجلا بيّنة يشهدون أنّها ناقته ، فقضى معاوية على الكوفي وأمر بتسليم البعير إليه . فقال الكوفي : أصلحك الله ! إنّه جمل وليس بناقة . فقال معاوية : هذا حكم قد مضى . ودسّ إلى الكوفي بعد تفرّقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره ، فدفع إليه ضِعفه ، وبرّه وأحسن إليه ، وقال له : أبلغ عليّاً أنّي أُقابله بمائة ألف ما فيهم مَن يُفرّق بين الناقة والجمل . ثمّ قال المسعودي : ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنّه صلّى بهم عند مسيرهم إلى صِفّين الجمعة يوم الأربعاء ، وأعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه بها ، وركنوا إلى قول عمرو بن العاص : أنّ عليّاً هو الّذي قتل عمّار ابن ياسر حين أخرجه لنصرته ، ثمّ ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن عليّ سُنّة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير ( 1 ) . والصلح الّذي تمّ بين الإمام الحسن ( عليه السلام ) ومعاوية ، إنّما كان على شروط اشترطها الإمام الحسن ( عليه السلام ) وقبلها معاوية ، منها : أن ترجع الخلافة بعد وفاة معاوية إلى الحسن أو إلى أخيه الحسين ( عليه السلام ) في حال وفاة الحسن ( عليه السلام ) قبل معاوية ( 2 ) ، ولكن معاوية الطليق لم يفِ بما تعاهد عليه مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ولم يتورّع عن إعلان ذلك أمام الملأ أجمعين . قال معاوية لمّا دخل النخيلة قبل أن يصل إلى الكوفة : والله إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا ، إنّكم لتفعلون
1 - مروج الذهب 3 / 41 . 2 - انظر : فتح الباري 13 / 56 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 261 ، البداية والنهاية 8 / 19 ، الإمامة والسياسة 1 / 185 .