responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) نویسنده : عبد الله بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي    جلد : 1  صفحه : 53


الأسباب في مسبباتها مشروط بمشيئة اللَّه تعالى ، وأن وجودها مرتبط بأسبابها واقع بقدرته وقوله .
* ( إِنَّ اللَّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) * كالتصريح به والتقرير له . والشيء يختص بالموجود ، لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تارة ، وحينئذ يتناول البارئ تعالى كما قال : * ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّه شَهِيدٌ ) * وبمعنى مشيء أخرى ، أي مشيء وجوده وما شاء اللَّه وجوده فهو موجود في الجملة وعليه قوله تعالى : * ( إِنَّ اللَّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) * . اللَّه * ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) * فهما على عمومهما بلا مثنوية . والمعتزلة لما قالوا الشيء ما يصح أن يوجد وهو يعم الواجب والممكن ، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضا ، لزمهم التخصيص بالممكن في الموضعين بدليل العقل .
والقدرة : هو التمكن من إيجاد الشيء . وقيل صفة تقتضي التمكن ، وقيل قدرة الإنسان ، هيئة بها يتمكن من الفعل وقدرة اللَّه تعالى : عبارة عن نفي العجز عنه ، والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل ، والقدير الفعال لما يشاء على ما يشاء ولذلك قلما يوصف به غير الباري تعالى ، واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل على مقدار قوته ، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته . وفيه دليل على أن الحادث حال حدوثه والممكن حال بقائه مقدوران وأن مقدور العبد مقدور للَّه تعالى ، لأنه شيء وكل شيء مقدور للَّه تعالى .
والظاهر أن التمثيلين من جملة التمثيلات المؤلفة ، وهو أن يشبه كيفية منتزعة من مجموع تضامت أجزاؤه وتلاصقت حتى صارت شيئا واحدا بأخرى مثلها ، كقوله تعالى : * ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ) * الآية ، فإنه تشبيه حال اليهود في جهلهم بما معهم من التوراة ، بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة . والغرض منهما تمثيل حال المنافقين من الحيرة والشدة ، بما يكابد من انطفأت ناره بعد إيقادها في ظلمة ، أو بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق . ويمكن جعلهما من قبيل التمثيل المفرد ، وهو أن تأخذ أشياء فرادى فتشبهها بأمثالها كقوله تعالى : * ( وما يَسْتَوِي الأَعْمى والْبَصِيرُ ولَا الظُّلُماتُ ولَا النُّورُ ولَا الظِّلُّ ولَا الْحَرُورُ ) * وقول امرئ القيس :
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العنّاب والحشف البالي بأن يشبه في الأول : ذوات المنافقين بالمستوقدين ، وإظهارهم الإيمان باستيقاد النار وما انتفعوا به من حقن الدماء وسلامة الأموال والأولاد وغير ذلك بإضاءة النار ما حول المستوقدين ، وزوال ذلك عنهم على القرب بإهلاكهم وبإفشاء حالهم وإبقائهم في الخسار الدائم ، والعذاب السرمد بإطفاء نارهم والذهاب بنورهم .
وفي الثاني : أنفسهم بأصحاب الصيب وإيمانهم المخالط بالكفر والخداع بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق ، من حيث إنه وإن كان نافعا في نفسه لكنه لما وجد في هذه الصورة عاد نفعه ضرا ونفاقهم حذرا عن نكايات المؤمنين ، وما يطرقون به من سواهم من الكفرة بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت ، من حيث إنه لا يرد من قدر اللَّه تعالى شيئا ، ولا يخلص مما يريد بهم من المضار وتحيرهم لشدة الأمر وجهلهم بما يأتون ، ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة مع خوف أن تخطف أبصارهم فخطوا خطىّ يسيرة ، ثم إذا خفي وفتر لمعانه بقوا متقيدين لا حراك بهم . وقيل : شبه الإيمان والقرآن وسائر ما أوتي الإنسان من المعارف التي هي سبب الحياة الأبدية بالصيّب الذي به حياة الأرض . وما ارتكبت بها من الشبه المبطلة ، واعترضت دونها من الاعتراضات المشككة بالظلمات . وشبه ما فيها من الوعد والوعيد بالرعد ، وما فيها من الآيات الباهرة بالبرق ، وتصامهم عما يسمعون من الوعيد بحال من يهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أذنيه عنها مع أنه لا خلاص لهم منها وهو معنى قوله تعالى : * ( واللَّه مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ) * . واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه ، أو رفد تطمح إليه أبصارهم بمشيهم في مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم ، وتحيرهم وتوقفهم في الأمر حين تعرض لهم شبهة ، أو تعن لهم مصيبة بتوقفهم إذا أظلم عليهم .
ونبه سبحانه بقوله : * ( ولَوْ شاءَ اللَّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأَبْصارِهِمْ ) * على أنه تعالى جعل لهم السمع والأبصار

53

نام کتاب : أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) نویسنده : عبد الله بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي    جلد : 1  صفحه : 53
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست