نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 862
لقد دعا الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى غزوة تبوك ، وكانوا في عشرة وضيق ، وشدة حر ، وقد حان قطاف التمر عندهم حين طابت الثمار ، فشق ذلك عليهم ، فأبان اللَّه تعالى أنه لا يصح ترك سعادة الآخرة والخير الكثير الخالد ، من أجل ترف الدنيا وطيباتها ، فذلك جهل وسفه ، وخص اللَّه تعالى بالعتاب ثلاثة من المؤمنين : وهم كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، بسبب مكانهم من الصحبة ، إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم ، وكان تخلفهم لغير علة . اشتد اللَّه في عتاب المؤمنين المتخلفين عن الجهاد في غزوة تبوك قائلا لهم : يا أيها المؤمنون بالله ورسوله ، ما لكم تثاقلتم وتباطأتم عن الجهاد ، حين قال لكم الرسول الأمين : انفروا في سبيل اللَّه لقتال الروم الذين تجهزوا لقتالكم ومهاجمتكم ؟ ! فأي شيء يمنعكم عن الجهاد ؟ أرضيتم بلذات الحياة الدنيا بدلا من الآخرة وسعادتها ونعيمها ؟ إن كنتم فعلتم ذلك ، فقد تركتم الخير الكثير في سبيل الشيء الحقير ، فما تتمتعون به في الدنيا متاعا مقترنا بالهم والألم ، ولفترة مؤقتة ، إذا قيس بنعيم الآخرة الدائم ، إلا شيء حقير قليل ، لا يصلح عوضا عن العطاء الكثير في الآخرة . قال النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فيما رواه أحمد ومسلم والترمذي : « ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم ، فلينظر بم يرجع ؟ » وأشار بالسبابة . ثم توعد اللَّه تعالى من ترك الجهاد ، فقال : * ( إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ . . ) * أي إن لم تخرجوا مع النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى ما دعاكم إليه ، يعذبكم اللَّه عذابا مؤلما في الدنيا كالهلاك بالقحط وغلبة العدو ، ويستبدل بكم قوما غيركم ، لنصرة نبيه وإقامة دينه ، كما قال تعالى : * ( وإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [ محمد : 47 / 38 ] إنكم بتوليكم عن الجهاد لا تضروا اللَّه شيئا لأنه هو القاهر فوق عباده ، واللَّه قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم .
862
نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 862