نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 750
وخلق الناس على فطرة الإقرار بوجود اللَّه وتوحيده مقرر في آية أخرى هي قوله تعالى : * ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه ذلِكَ الدِّينُ ) * [ الروم : 30 / 30 ] . وأيدت السّنة مدلول هذه الآية ، جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء - أي التي لم يذهب من بدنها شيء - هل تحسون فيها من جدعاء » أي مقطوعة الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة ونحو ذلك ، و في صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « يقول اللَّه : إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم » . وكان خلق بني آدم على فطرة التوحيد لهدفين : الأول - إبطال ادعائهم الشرك وتمسكهم به ، والهدف الثاني - إبطال تمسكهم بتقليد الآباء والأجداد في الشرك ، قائلين : إن آباءنا أشركوا من قبلنا ، ونحن خلف لهم ، نجهل بطلان الشرك ، وقد قلدناهم في أعمالهم واعتقادهم مع حسن الظن بهم ، ولم نهتد إلى التوحيد . أفتهلكنا بالعذاب ، وتؤاخذنا بما فعله المبطلون من آبائنا ؟ ! ولكن اللَّه لا يقبل عذرهم أبدا لأن التقليد في الاعتقاد وأصول الدين لا يجوز أبدا بحال من الأحوال ، بل لا بد لكل إنسان أن يعتمد في إثبات عقيدته على قناعته الذاتية والبراهين الدالة على صحة عقيدة التوحيد . ومثل ذلك التفصيل البليغ الواضح للميثاق ، نفصل للناس الآيات البينات ، ليتدبروها بعقل وبصيرة ، ولعلهم يرجعون بها عن شركهم وجهلهم وتقليدهم الآباء والأجداد . وبعبارة أخرى : معنى الآيات أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ، ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد اللَّه وعبادته ، لكانت لهم حجتان :
750
نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 750