نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 633
القائم بالحق ، الثابت الأصول ، القائم على التزام ملَّة إبراهيم الخليل عليه السّلام الذي كان مائلا عن جميع أنواع الشّرك والضلالة إلى ملَّة التوحيد الخالص ، ولم يكن يوما من الأيام من زمرة المشركين المنحرفين ، كما قال اللَّه سبحانه في آية أخرى : * ( ومَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِه نَفْسَه ) * [ البقرة : 2 / 130 ] وقال عزّ وجلّ : إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً [1] قانِتاً لِلَّه حَنِيفاً ولَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 120 ) ) * [ النّحل : 16 / 120 ] . أي لم يكن أبدا من المشركين ، وإنما كان مؤمنا بالله ، موحدا إياه ، مخلصا له عبادته . ثم أمر اللَّه نبيّه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير اللَّه ، ويذبحون لغير اسمه : بأنه مخالف لهم في ذلك كله ، فإن صلاته لله ، ونسكه أي الذبائح والعبادة وأداء شعائر الحج وغيرها كله لله ، والمعنى : إن مقصده في صلاته وطاعته في ذبيحة وغيرها ، وتصرفه مدة حياته ، وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته ، إنما هو لله عزّ وجلّ ، وإرادة وجهه وطلب رضاه ، فإن عاش فلله ، وإن جاهد فلله ، وإن صلَّى وحجّ واعتمر فلله ، وإن مات فلله ، له الحكم وله الأمر ، وبيده مقاليد أمور الخلائق والعوالم كلها . وفي هذا إرشاد للمؤمنين وإلزام بالتّأسي به ، حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قصد وجه اللَّه عزّ وجلّ . واللَّه واحد لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في ربوبيته ، فله العبادة وحده ، والتشريع منه وحده ، بذلك أمر اللَّه ربّي ، ويقول الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بأمر اللَّه عن نفسه : وأنا أول المسلمين ، أي الخاضعين المنقادين إلى امتثال أوامر اللَّه واجتناب نواهيه ، هذا إثبات لتوحيد الألوهية . ثم أعقبه بتوحيد الرّبوبية ، فقال تعالى : * ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّه أَبْغِي رَبًّا . . ) * أي أغير اللَّه أطلب ربّا سواه ، مع أنه هو مالك كل شيء ، خلقه ودبّره ، وهو مصدر النفع ومنع الضّر ، فكيف أجعل مخلوقا آخر ربّي ؟ !