نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 580
والرّد على هؤلاء المنكرين للوحي بأمر مشهور لهم ، لم يكذّبه العرب قاطبة ، وهو ما أمر اللَّه به نبيّه محمدا أن يقول لهم : من أنزل كتاب التّوراة على موسى بن عمران ؟ وأنتم تعترفون بالتوراة إذ قلتم : * ( لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ ) * [ الأنعام : 6 / 157 ] . والتوراة نور للمؤمنين ، وهداية للمسترشدين ، وأنتم يا بني إسرائيل تجعلون التوراة قراطيس ، أي قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديكم ، وتحرّفون منها ما تحرّفون ، وتبدّلون منها ما تبدّلون ، وتقولون : هذا من عند اللَّه ، أي في كتابه المنزل ، وما هو من عند اللَّه . وأنتم أيضا تخفون دلائل نبوة محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم والبشارة به وبعض الأحكام التشريعية كحكم الزّنى ، فيجدر بكم أيها المشركون ألا تثقوا بأقوال المعادين للنّبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عداء شديدا بقصد إبطال رسالته . ويا معشر العرب علَّمتم من الهدايات والتوحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين به ولا آباؤكم ، وقد أصبح للعرب بالإسلام مجد وعزّة ودولة ، بعد أن كانوا قبائل شتى ، وفي جهالة عمياء . ثم أمر اللَّه تعالى نبيّه بالمبادرة إلى موضع الحجة والرّد الحاسم ، فقل لهم : اللَّه تعالى هو الذي أنزل الكتاب على موسى ، وأنزل علي هذا الكتاب وهو القرآن ، ثم أمره تبارك وتعالى بترك من كفر وأعرض بقوله : * ( ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) * أي ثم دعهم واتركهم في جهلهم وضلالهم يلعبون ، حتى يأتيهم الموت الذي يطوي صحيفة هؤلاء المعاندين المكابرين . ومعنى الخوض : الذهاب فيما لا تعرف حقائقه . ثم أبان اللَّه تعالى أوصاف القرآن بأنه كتاب كثير البركة والخير ، أنزله اللَّه مؤيّدا لما تقدمه من الكتب ، ومهيمنا عليها ، يبشّر بالجنّة والثواب والمغفرة من أطاع اللَّه ، وينذر بالنار والعقاب من عصى اللَّه ، ويخوّف أهل مكة : أمّ القرى ومركز قطب الدائرة في العالم ، ومن حولها من سائر الناس ، من أحياء العرب ومن سائر طوائف
580
نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 580