نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 519
وهل تقع منه تعالى إجابة لهذا الطلب ؟ وليس ذلك من الحواريين تشكيكا بقدرة اللَّه ، فهم مؤمنون . فأنكر عيسى قولهم ذلك من ناحيتين : الأولى : بشاعة هذا اللفظ ، والثانية : إنكار طلب الآيات والتّعرض لسخط اللَّه بها ، فإن النّبوات ليست مبنية على تعنّت الناس ومكابرتهم . قال لهم عيسى : * ( اتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) * فشأن المؤمن أن يلتزم الأدب مع اللَّه ، ولا يطلب ما قد يشعر بالتّعنّت والتّشدّد . ولذا قال الحواريون معتذرين عن الطلب بهذه الصورة : نريد أن نأكل منها ، فنحن في حاجة إلى الطعام ، وإذا أكلنا تطمئن قلوبنا وتهدأ نفوسنا ، ونعلم أن قد صدقتنا في أن اللَّه أرسلك نبيّا ، وجعلنا أصحابا أعوانا لك ، وقد رضي عنا بإجابة سؤالنا . ونحن قبل ذلك وبعد المائدة نكون من الشاهدين لله بالوحدانية ، ولك بالنّبوة والرّسالة ، وما هذه المائدة إلا دليل حسي على ذلك . فطلب عيسى من اللَّه إنزال المائدة ، لتكون مصدر فرح وسرور ، ويوم عيد ، يجتمع فيه الناس للعبادة والشكر ، ويعود عليهم كل عام باليمن والبركة والسعادة ، وآية على صحة دعوى النّبوة ، وتذكيرا بالدعاء وطلب الرزق من اللَّه تعالى ، فهو خير الرازقين ، يرزق من يشاء بغير حساب . فأجاب اللَّه دعاء عيسى مقرونا بالتهديد بالجزاء حين مخالفة أوامر اللَّه : * ( فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُه عَذاباً لا أُعَذِّبُه . . ) * أي من يكفر بالله بعد نزول هذه المائدة ، فإني أعذّبه عذابا شديدا ، لا أعذب مثله أحدا من سائر كفّار العالمين في زمانهم لأنهم لم يبق بعد هذا الدليل الحسي ( إنزال المائدة ) عذر لمن يكفر أو يستهزئ بآيات اللَّه وأدلَّته الدّالة على وجوده وقدرته . ولا حاجة للبحث عن شكل المائدة ولونها ونوع طعامها ، فذلك لا فائدة منه ، وعلينا التزام حدود البيان القرآني .
519
نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 519