نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 504
خوّف اللَّه تعالى عباده ورجّاهم ، وأرهبهم ورغَّبهم في قوله سبحانه : * ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيدُ الْعِقابِ وأَنَّ اللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 98 ) ) * . وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه حال الناس ، فجدير بالإنسان أن يكون خائفا ، عاملا بحسب الخوف ، متّقيا متأنسا بحسب الرجاء لأن اللَّه لم يخلقنا عبثا ، ولم يتركنا هملا ، بل لا بد من جزاء العاصي ، وإثابة الطائع ، واللَّه سبحانه شديد العقاب لمن خالف أوامره ، فأشرك بالله وفسق وعصى ربّه ، وهو تعالى غفار رحيم ( كثير المغفرة والرحمة ) لمن أطاعه ، ونفّذ أوامره ، واجتنب نواهيه ، يرحم التّائبين المصلحين أعمالهم من وقت قريب قبل أن يدركهم الموت ، وهذه الآية تقتضي أن الإيمان لا يتم إلا بالرجاء والخوف . وأن الاعتدال هو بخشية العذاب ، وحسن الظن بالله تعالى معا . وفي تقديم العقاب على المغفرة دليل على أن جانب الرحمة أغلب لأن رحمته تعالى سبقت غضبه كما صح في الحديث النّبوي ، وكما قال تعالى : * ( ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) * [ المائدة : 5 / 15 ] . وليس من وظيفة الرسول حمل الناس على الهداية والتوفيق للإيمان ، وإنما عليه التبليغ وأداء الرسالة ، ثم يتولى اللَّه إثابة المطيع ، ومعاقبة العاصي ، لأنه سبحانه يعلم ما ينطوي عليه صدر العبد ، ويعلم ما تبدون وما تكتمون ، ويعلم السّر وأخفى ، وإلى اللَّه المرجع والمآب . ثم أمر اللَّه نبيّه بأن يعلم الناس : أنه لا يستوي الخبيث والطيب ، والكافر والمؤمن ، والضّار والنافع ، والفاسد والصالح ، والظالم والعادل ، والحرام والحلال ، ولو أعجبك أيها المشاهد كثرة الخبيث من الناس أو كثرة المفسدين أو الأموال الحرام عند شخص ما كالرّبا والرّشوة والخيانة ، أو ولو تعجبت من قلَّة الطيب من الصالحين الأبرار . قال تعالى : * ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ( 28 ) [ ص : 38 / 28 ] .
504
نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 504