نام کتاب : التفسير الوسيط نویسنده : وهبة الزحيلي جلد : 1 صفحه : 155
مِنْ نَخِيلٍ وأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ لَه فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وأَصابَه الْكِبَرُ ولَه ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ [1] فِيه نارٌ [2] فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّه لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ( 266 ) ) * [ البقرة : 2 / 266 ] . من أساليب فصاحة القرآن أنه يأتي فيه بيان نقيض ما تقدم ذكره ، لتستبين حال التضاد بعرضها على الذهن ، فلما ذكر اللَّه تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم بقصد مرضاة اللَّه ، ذكر مثلا آخر لنفقة الرياء ، والمعنى : أيها المنفق لغير اللَّه ، مثلك كمثل من له بستان فيه نخيل وأعناب وزروع من كل صنف ، تجري الأنهار فيما بينها ، وفيها من كل الثمرات التي تشتهيها ، وأنت رجل كبير مسنّ أدركتك الشيوخة ، وأصابك ضعف الكبر ، ولك ذرية ضعفاء صغار لا يقدرون على الكسب ، وليس لك غير هذا البستان ، فأصابه بأمر اللَّه ريح شديدة عاصفة ، وسموم كالنار أو أشد ، فاحترق الشجر ، وأباد الثمر ، وأنت في أشد الحاجة إلى نتيجة عملك ، وثمرة جهدك في شبابك . إن من ينفق في سبيل الشيطان والهوى والرياء يظن أنه ينتفع بإنفاقه ، ثم يفاجأ بأنه لا يجد نتيجة لعمله ، لتبدد أثره ، وضياع فائدته ، فهو مثل ذلك الرجل المسن صاحب تلك الجنة ( أي البستان ) يأتي يوم القيامة ، فلا يجد لعمله إلا الحسرة والندامة ، لقد علَّق الشيخ الكبير المسن - كالمتقاعد اليوم - الأمل على دخل معين في آخر الحياة ، ثم لا يجد هذا الشيخ هذا الدخل ، نجده كيف يعتصر الألم كبده ، ويموت حرقة وأسفا على فقدان دخله وضياع ماله بعاصفة من السماء ، إن المنفق رياء أو في سبيل الشيطان مثله مثل هذا المسن الذي فقد المال في الدنيا ، وضاع عليه النعيم في آخر حياته ، فيموت كمدا وحسرة وألما ، بسبب سوء تصرفه وخبث نيته وقصده .