نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 633
فالآية الكريمة تصور المرابى بتلك الصورة المرعبة المفزعة ، التي تحمل كل عاقل على الابتعاد عن كل معاملة يشم منها رائحة الربا . وهنا نحب أن نوضح أمرين : أما الأمر الأول : فهو أن جمهور المفسرين يرون أن هذا القيام المفزع للمرابين يكون يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم كما أشرنا إلى ذلك . قال الآلوسى : وقيام المرابى يوم القيامة كذلك مما نطقت به الآثار ، فقد أخرج الطبراني عن عوف بن مالك قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « إياك والذنوب التي لا تغفر . الغلول فمن غل شيئا أتى به يوم القيامة ، وأكل الربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط » ثم قرأ الآية ، وهو مما لا يحيله العقل ولا يمنعه ، ولعل اللَّه - تعالى - جعل ذلك علامة له يعرف بها يوم الجمع الأعظم عقوبة له . . . ثم قال . وقال ابن عطية : المراد تشبيه المرابى في حرصه وتحركه في اكتسابه في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن يسرع بحركات مختلفة : قد جن ، ولا يخفى أنه مصادمة لما عليه سلف الأمة ولما روى عن رسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من غير داع سوى الاستبعاد الذي لا يعتبر في مثل هذه المقامات » « 1 » . والذي نراه أنه لا مانع من أن تكون الآية تصور حال المرابين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا في قلق مستمر ، وانزعاج دائم ، واضطراب ظاهر بسبب جشعهم وشرههم في جمع المال ، ووساوسهم التي لا تكاد تفارقهم وهم يكفرون في مصير أموالهم . . . . ومن يتتبع أحوال بعض المتعاملين بالربا يراهم أشبه بالمجانين في أقوالهم وحركاتهم . أما في الآخرة فقد توعدهم اللَّه - تعالى - بالعقاب الشديد ، والعذاب الأليم . وقد رجح الإمام الرازي أن الآية الكريمة تصور حال المرابى في الدنيا والآخرة فقال ما ملخصه : « إن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير اللَّه ، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطا . . . وآكل الربا بلا شك أنه يكون مفرطا في حب الدنيا متهالكا فيها ، فإذا مات على ذلك الحب صار ذلك حجابا بينه وبين اللَّه - تعالى - ، فالخبط الذي كان حاصلا له في الدنيا بسبب حب المال أورثه الخبط في الآخرة وأوقعه في ذل الحجاب ، وهذا التأويل أقرب عندي من غيره » « 2 » . وأما الأمر الثاني : فهو أن جمهور المفسرين يرون أيضا أن التشبيه في الآية الكريمة على
( 1 ) تفسير الآلوسى ج 3 ص 49 . ( 2 ) تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 96 .
633
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 633