نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 557
موت الخلق مرة واحدة ؟ قلنا في الجواب : لا منافاة إذ الموت هنا عقوبة مع بقاء الأجل كما في قوله في قصة موسى : ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وثم موت بانتهاء الأجل ، وتلخيصه : أنه - سبحانه - أماتهم قبل آجالهم عقوبة لهم ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ، وميتة العقوبة بعدها حياة - أى في الدنيا - بخلاف ميتة الأجل - فلا حياة بعدها في الدنيا - . . » « 1 » . وبعد هذا البيان لمعنى الآية قد يقال : من هم أولئك القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت ؟ وهل الإماتة والإحياء بالنسبة لهم كانا على سبيل الحقيقة ؟ للإجابة على السؤال الأول نقول : لم يرد حديث صحيح عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يبين لنا فيه من هؤلاء القوم وفي أى زمن كانوا ، وإنما أورد بعض المفسرين عن بعض الصحابة والتابعين روايات فيها مقال ، وفيها تفصيلات نرى من الخير عدم ذكرها لضعفها . ومن هذه الروايات ما جاء عن ابن عباس أنه قال : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون ، حتى إذا كانوا بموضع كذا أو كذا ماتوا . . ثم أحياهم اللَّه بدعوة دعاها نبيهم « 2 » . ومنها أنهم - قوم من بنى إسرائيل - فروا من الجهاد حين أمرهم اللَّه به على لسان نبيهم « حزقيل » وخافوا من الموت في الجهاد فخرجوا من ديارهم فأماتهم اللَّه ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء ، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد . . « . قال القرطبي بعد أن ساق هذه الرواية : وقال ابن عطية : وهذا القصص كله لين الأسانيد ، وإنما اللازم من الآية أن اللَّه - تعالى - أخبر نبيه محمدا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم اللَّه ثم أحياهم ليروا هم وكل من جاء من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد اللَّه لا بيد غيره ، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر . وجعل اللَّه هذه الآية مقدمة بين يدي أمر المؤمنين من أمة محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالجهاد . وهذا قول الطبري وهو ظاهر وصف الآية » « 3 » والذي نراه أن الرواية الثانية التي تقول : إنهم قوم من بنى إسرائيل فروا من الجهاد حين أمرهم اللَّه به . . معقولة المعنى ، ويؤيدها سياق الآيات ، لأن الآيات تحض الناس على القتال في سبيل اللَّه ، وتسوق لهم قصة هؤلاء القوم لكي يعتبروا ويتعظوا ولا يتخلفوا عن الجهاد الذي هو باب من أبواب الجنة - كما قال الإمام على بن أبى طالب - ولأن قوله - تعالى - : * ( وهُمْ أُلُوفٌ ) * يشعر بأنهم مع كثرة عددهم قد نكصوا على أعقابهم ، وفروا من وجوه أعدائهم وهذا شأن بنى إسرائيل في كثير من أدوار تاريخهم وما قاله ابن عطية يشير إليها فهو
( 1 ) حاشية الجمل على الجلالين ج 1 صفحة 197 . بتصرف يسير . ( 2 ) تفسير ابن كثير ج 1 صفحة 298 بتلخيص . ( 3 ) تفسير القرطبي ج 2 صفحة 239 .
557
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 557