نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 484
بجانب تلك المضار الجسمية التي تعود على أفراد الأمة في دينهم وعقولهم وأجسامهم وأموالهم وترابطهم ، وصدق اللَّه إذ يقول : إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ والْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ والْمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّه وعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ . ثم يأتى بعد ذلك السؤال الثاني الذي ورد في هاتين الآيتين وهو قوله - تعالى - : * ( ويَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) * . ومناسبة هذا السؤال لما قبله أنهم بعد أن نهوا عن إنفاق أموالهم في الوجوه المحرمة كتعاطى الخمر والميسر ، سألوا عن وجوه الإنفاق الحلال ، وعن مقدار ما ينفقون فأجيبوا بهذا الجواب الحكيم . قال الآلوسى : أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل اللَّه أتوا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقالوا : إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا وما الذي ننفقه منها فأنزل اللَّه - تعالى - * ( ويَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) * وكان الرجل قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق ولا ما يأكل » « 1 » . وأصل العفو في اللغة الزيادة . قال - تعالى - : ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا أى زادوا على ما كانوا عليه من العدد . ويطلق على ما سهل وتيسر مما يكون فاضلا عن الكفاية . يقال : خذ ما عفا لك . أى ما تيسر . كما يطلق على الترك قال - تعالى - : عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ أى تركه وتجاوز عنه . والمراد به هنا : ما يفضل عن الأهل ويزيد عن الحاجة ، إذ هذا القدر الذي يتيسر إخراجه ويسهل بذله ، ولا يتضرر صاحبه بتركه . والمعنى ، ويسألونك ما الذي يتصدقون به من أموالهم في وجوه البر ، فقل لهم تصدقوا بما زاد عن حاجتكم ، وسهل عليكم إخراجه ، ولا يشق عليكم بذله . وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد حكيم إلى التعاون والتراحم بين أفراد المجتمع ، وتوجيه إلى المنهاج الوسط الذي يأبى التبذير وينفر من التقتير ، وفي أحاديث الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما يؤيد هذا الإرشاد والتوجيه ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : « خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول » . وأخرج مسلَّم عن جابر أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : « ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء
( 1 ) تفسير الآلوسى ج 2 ص 115 .
484
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 484