نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 481
ولقد كان موقف الصحابة من هذا التحريم لما يشتهونه ويحبونه من الخمر والميسر ، يمثل أسمى ألوان الطاعة والاستجابة لأوامر اللَّه ونواهيه ، فعند ما بلغهم تحريم الخمر أراقوا ما عندهم منها في الطرقات . بل وحطموا الأوانى التي كانت توضع فيها الخمر امتثالا وطاعة للَّه - تعالى - . وهكذا نرى قوة الإيمان التي غرسها الإسلام في نفوس أتباعه عن طريق تعاليمه السامية ، وتربيته الحكيمة . . تغلبت على ما أحبته النفوس وأزالت من القلوب ما ألفته الطبائع . هذا وجمهور العلماء على أن كلمة « خمر » تشمل كل شراب مسكر سواء أكان من عصير العنب أم من الشعير أم من التمر أم من غير ذلك ، وكلها سواء في التحريم قل المشروب منها أو كثر سكر شاربه أو لم يسكر . ومن أدلتهم ما رواه الإمام مسلَّم عن ابن عمر - أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها لم يتب منها لم يشربها في الآخرة » « 1 » . ومن أدلتهم أيضا أصل الاشتقاق اللغوي لكلمة خمر ، فقد عرفنا أنها سميت بهذا الاسم لمخامرتها العقل وستره ، فكل ما خامر العقل من الأشربة وجب أن يطلق عليه لفظ خمر سواء أكان من العنب أم من غيره . وقال الأحناف ووافقهم بعض العلماء كإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابن أبى ليلى : إن كلمة خمر لا تطلق إلا على الشراب المسكر من عصير العنب فقط ، أما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو الشعير فلا يسمى خمرا بل يسمى نبيذا . وقد بنوا على هذا أن المحرم قليله وكثيره إنما هو الخمر من العنب . أما الأنبذة فكثيرها حرام وقليلها حلال . وقد رجح العلماء رأى الجمهور وضعفوا ما ذهب إليه الأحناف ومن وافقهم . قال ابن العربي : وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة فلا يلتفت إليها . والصحيح ما روى الأئمة أن أنسا قال : « حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا قليل ، وعامة خمرها البسر والتمر » أخرجه البخاري ، واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب ، وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ فكسروا دنانهم - أى أوانى الخمر - وبادروا إلى الامتثال لاعتقادهم أن ذلك كله خمر « أى وأقرهم رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على ذلك « 2 » .
( 1 ) أخرجه مسلَّم في كتاب الأشربة ج 6 ص 100 . ( 2 ) أحكام القرآن لابن العربي ج 1 صفحة 149 .
481
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 481