responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 465


التمسوا من اللَّه النصر بعد تلك الشدائد والأهوال التي نزلت بهم : ألا إن نصر اللَّه قريب .
تطييبا لأنفسهم ، وبعثا للآمال في قلوبهم .
وفي هذه الجملة الكريمة ألوان من المؤكدات والمبشرات بالنصر القريب ، ويشهد لذلك التعبير بالجملة الاسمية بدل الفعلية فلم يقل - مثلا - ستنصرون والتعبير بالجملة الاسمية يدل على التوكيد . ويشهد لذلك أيضا تصدير الجملة بأداة الاستفتاح الدالة على تحقيق مضمونها وتقريره ، ووقوع إن المؤكدة بعد أداة الاستفتاح ، وإضافة النصر إلى اللَّه القادر على كل شيء والذي وعد عباده المؤمنين بالنصر فقال ، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد « :
هذا ، والمتأمل في الآية الكريمة يراها قد بينت للمؤمنين أن طريق الجنة محفوف بالمكاره ، وصدق رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في قوله : « حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات » . وأنهم لكي يصلوا إلى الجنة عليهم أن يتأسوا بالسابقين في جهادهم وصبرهم على الأذى ، فقد اقتضت سنة اللَّه أن يجعل هذه الحياة نزالا موصولا بين الأخيار والأشرار ، ونزاعا مستمرا بين الأطهار والفجار ، وكثيرا ما يضيق البغاة على المؤمنين ، وينزلون بهم ما ينزلون من صفوف الاضطهاد إلا أن اللَّه - تعالى - قد تكفل بأن يجعل العاقبة للمتقين .
ولقد حكى لنا التاريخ أن المؤمنين السابقين قد صبروا أجمل الصبر وأسماه في سبيل إعلاء كلمة اللَّه .
روى البخاري عن خباب بن الأرت - رضى اللَّه عنه - قال : شكونا إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه . واللَّه ليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا اللَّه والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون « 1 » .
وبذلك نرى أن السورة الكريمة من قوله - تعالى - ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُه فِي الْحَياةِ الدُّنْيا إلى هنا ، قد بينت لنا أقسام الناس في هذه الحياة ، ودعت المؤمنين إلى أن يتمسكوا بجميع تعاليم الإسلام ، وأن يزهدوا في زينة الحياة التي شغلت المشركين عن كل شيء سواها ، وأن يشكروا اللَّه على هدايته إياهم إلى الحق الذي اختلف غيرهم فيه ، وأن يوطنوا أنفسهم على تحمل الآلام لكي يحقق اللَّه لهم الآمال .


( 1 ) صحيح البخاري كتاب الإكراه . باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر ج 9 ص 26 .

465

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 465
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست