نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 454
قال القرطبي : والمزين هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر ، ويزينها أيضا الشيطان بوسوسته وإغوائه وخص الذين كفروا بالذكر لقبولهم التزيين جملة وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الآخرة بسببها . وقد جعل اللَّه ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا ، فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة ، والكفار تملكتهم لأنهم لا يعتقدون غيرها » « 1 » . وقوله : * ( ويَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) * معطوف على جملة * ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا . . . ) * أو خبر لمبتدأ محذوف أى وهم يسخرون وتكون الواو للحال . ويسخرون : يضحكون ويهزئون . يقال . سخرت منه وسخرت به وضحكت منه وضحكت به . أى أن الذين كفروا لا يكتفون بحبهم الشديد لزينة الحياة الدنيا وشهواتها وإنما هم بجانب ذلك يسخرون من المؤمنين لزهد هم في متع الحياة ، لأن الكفار يعتقدون أن ما يمضى من حياتهم في غير متعة فهو ضياع منها ، وأنهم لن يبعثوا ولن يحاسبوا على ما فعلوه في دنياهم ، أما المؤمنون فهم يتطلعون إلى نعيم الآخرة الذي هو أسمى وأبقى من نعيم الدنيا . وجيء بقوله : * ( زُيِّنَ ) * ماضيا للدلالة على أنه قد وقع وفرغ منه . وجيء بقوله * ( ويَسْخَرُونَ ) * مضارعا للدلالة على تجدد سخريتهم من المؤمنين وحدوثها بين وقت آخر . قال - تعالى - : إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ . . : وقد ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أنها نزلت في المنافقين عبد اللَّه بن أبى وحزبه ، كانوا يتنعمون في الدنيا أو يسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين ، ويقولون : أنظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنه يغلب بهم . ومنها . أنها نزلت في أبى جهل ورؤساء قريش كانوا يسخرون من فقراء المسلمين كعمار وخباب وابن مسعود وغيرهم بسبب ما كانوا فيه من الفقر والصبر على البلاء . والحق أنه لا مانع من نزولها في شأن كل الكافرين الذين يسخرون من المؤمنين . وقوله : * ( والَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) * رد منه - سبحانه - على هؤلاء الكفار الذين يسخرون من المؤمنين ، والذين يرون أنفسهم أنهم في زينتهم ولذاتهم أفضل من المؤمنين في نزاهتهم وصبرهم على بأساء الحياة وضرائها .
( 1 ) تفسير القرطبي ج 3 ص 29 .
454
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 454