نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 402
بالأموال إلى الحكام ، إلقاؤها إليهم على سبيل الرشوة ليصلوا من وراء ذلك إلى أن يحكموا لصالحهم بالباطل ، وعليه يكون المعنى . لا يأخذ بعضكم أموال بعض أيها المسلمون ، ولا تلقوا ببعضها إلى حكام السوء على سبيل الرشوة ، لتتوصلوا بأحكامهم الجائرة إلى أكل فريق من أموال الناس بغير حق . ولا غرابة في أن يعنى القرآن في سياسته الرشيدة بالتحذير من جريمة الرشوة فإنها المعول الذي يهدم صرح العدل من أساسه وبها تفقد مجالس القضاء حرمتها وكرامتها ، وتصير تلك المجالس موطنا للظلم لا للعدل . وخص القرآن الكريم هذه الصورة بالنهى - وهي صورة الإدلاء بالأموال إلى الحكام - مع أنه قد ذكر ما يشملها بقوله : * ( ولا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) * لأنها على وجهى تفسيرها شديدة الشناعة ، جامعة لمنكرات كثيرة ، كالظلم ، والتباغض والرشوة ، والغصب وغير ذلك . والحق ، أن هذه الآية الكريمة أصل من الأصول التي يقوم عليها إصلاح المعاملات ، وقد أخذ العلماء منها حرمة أكل أموال الناس بالباطل ، وحرمة إرشاء الحكام ليقضوا للراشى بمال غيره ، وقد لعن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الجميع في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : « لعن اللَّه الراشي والمرتشي والراءش » وهو الواسطة الذي يمشى بينهما . كما أخذوا منها أن حكم الحاكم على ما يقتضيه الظاهر من أمر القضية لا يحل في الواقع حراما ، ولا يحرم حلالا ، والدليل على ذلك ما أخرجه الشيخان عن أم سلمة - رضى اللَّه عنها - عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنه سمع خصومة بباب حجرته ، فخرج إليهم فقال : إنما أنا بشر . وإنه ليأتينى الخصم . فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه قد صدق ، فأقضى له بذلك . فمن قضيت له بحق مسلَّم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها « . قال الإمام ابن كثير : فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر ، فلا يحل في نفس الأمر حراما ولا يحرم حلالا ، وإنما هو ملزم في الظاهر ، فإن طابق في نفس الأمر فذاك وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره . ولهذا قال - تعالى - في آخر الآية * ( وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) * . أى تعلمون بطلان ما تدعونه وترجونه في كلامكم » « 1 » . وبذلك تكون الآية الكريمة قد رسمت طريق الحق لمن يريد أن يسير فيه لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وإِنَّ اللَّه لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ . ثم انتقل القرآن إلى الحديث عن الأهلة لما لها من صلة بالصيام وبالقتال في الأشهر الحرم وبمواقيت الحج فقال - تعالى - :
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 225 .
402
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 402